هذه الدعوة : فصل السياسي عن الدعوي، ليست جديدة وإنما قديمة منذ أيام الإمام البنا وقد رد عليها فى رسائله.

دائمًا المصطلحات التي فيها تعميم نتريث فيها ونبحث عن المقصود منها بدقة حتى لا تمثل زحلوقة لنا نخالف فيها مبادئنا.

من ناحية الفكرة والرسالة لا يوجد مطلقًا ما يسمى دعوي وسياسي كأمرين متفارقين وإنما السياسة فى نظرنا دعوة والمجال الدعوي يشمل كل الجوانب السياسية والاجتماعية وغيرها.

فماذا يعنى هذا الفصل وذلك التقسيم ؟ إذا كان كما يقول البعض أنه فصل وظيفي وبالتالي لا يصبح الكيان السياسي (حزبا كان أو غيره) ذراع من أذرع الجماعة وإنما كيان مستقل منفصل ينسق معها مثلما ينسق مع الآخرين إذا أراد.

وبالتالي تنقسم الجماعة إلى أوصال وأجزاء فهناك مجالات تريد الفصل أيضا مثل المجال الفني والرياضي مثلا فأين تكون الجماعة اذن، (جماعة الإخوان المسلمون) ؟ هل هى الجماعة السياسية التى يمثلها الحزب المستقل، أم الجمعية الخيرية، أم مجرد جماعة دعوية. وهل الجماعة مجرد تاريخ وتنظير نظرى فقط (مدرسة فكرية) وليؤسس كل من يريد ما يراه ويقتنع فيه من عمل فيعمل فى هذا المجال دون ذاك، وبالتالى  فليس هناك صف واحد وقيادة واحدة وبيعة لها، وأهداف تعمل عليها ؟

إن إنشاء كيانات وواجهات تتولى بدرجة كبيرة جزءا من خطة الجماعة وبرنامجها فى مجال ما فهذا ليس فيه شيئ، و تمثل تلك الكيانات أذرعًا للجماعة وليس أجزاء منفصلة ولها مرجعية واحدة ومنهج فكرى تنطلق منه وقيادة عليا ترسم المسارات وتحدد الاستراتيجيات و تحسم الخلافات … الخ، فهناك الحزب كذراع سياسي، و هناك نشاط البر كجمعية للبر و الخدمة العامة، و هناك النشاط الفني و الرياضي … الخ.

فهذا أمر منطقي لا مانع له، ويتم تحديد مساحة المرجعية و الالتزام بالجماعة، و مساحة التنسيق مع باقي كيانات ووحدات الجماعة، و المساحة التي تتحرك فيها بصورة مستقلة وهذا ما قام به مجلس الشوري في مصر عندما أسس الحزب كذراع سياسية له.

و إذا كان المقصود أن هذا علي مستوي الأفراد، فهناك من يتم إعدادهم لكي يكون مجال عملهم النشاط السياسي، و آخرون في المجال الدعوي، أو الفني أو الرياضي … الخ، فهذا من باب التخصص و توزيع الكفاءات، لكن يجمعهم فهم واحد و أهداف واحدة و مرجعية الي قيادة عليا. و هذا لاشئ فيه و تم ممارسته منذ عهد الإمام البنا و لم يكن هناك هذا الشعار .

و الإمام البنا إذا رجعنا إلى المبادئ التي أسس عليها منهجية الجماعة و دورها، و أكد أن الجماعة ليست مجرد فكرة نظرية و إنما صف و قيادة، و أنها لا تنحصر في هيئة محدودة المجال او في نطاق جغرافي محدود، ” أنتم لستم حزبا سياسيا و لا جمعية خيرية ولا هيئة موضعية محدودة الأغراض ..”.

و أشار إلي الصبغة و الراية و أنهم أصحاب مشروع إسلامي متكامل، فلم نكن ولن نكون غير مسلمين، وفي نفس الوقت نحن سياسيون بالمعني الشامل الذي نفهمه، أما بمعني ” الحزبية ” من سلوك الأحزاب و تصارعهم علي السلطة و تحزبهم و غير ذلك من سلوك رفضة الإمام البنا، و قال فيه: لن نكون في يوم من الأيام حزبيين.

و حدد الإمام البنا أهداف الجماعة ورسالتها، و مراتب العمل التي تعمل فيها الجماعة و ذلك في ركن العمل و هو ركن من أركان البيعة وثوابتها بدءا من إعداد الفرد و البيت و المجتمع و المجال الاقتصادي و السياسي (تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي، و إصلاح الحكومة حتي تكون إسلامية بحق) ثم المجال العالمي حتي أستاذية العالم، فهي مراتب و واجبات متكاملة ليس فيها انفصال، و تعمل عليها الجماعة بقيادتها و صفها جميعا.

وقد قال في المراتب الثلاث الأولي : هذا واجب كل فرد علي حدة و واجب الجماعة كذلك أما المراتب الأربعة الأخيرة، فهو واجب الجماعة و الفرد يؤدي دوره كعضو فيها. و بالتالي حسم الإمام البنا و أوضح هذه الشمولية و ذلك في ركنا الفهم والعمل. و أيضا في الدعوة التي تتحرك بها الجماعة : (فقولوا : ندعو إلي ألإسلام الذي جاء به محمد صلي الله عليه و سلم و الحكومة جزء منه و الحرية فريضة من فرائضه)، فليس هناك فصل و تفريق في مجال الفهم و العمل او الأهداف أو الدعوة، و إنما هناك تأهيل الأفراد و تشكيل الكيانات و الواجهات في كل مجال من مجالات الحياة : (سياسي – رياضي – فني – اجتماعي – …. الخ)، مرجعيتها قيادة عليا وخطة تقوم على التعريف و التكوين و التنفيذ.

– ونسأل ما هو الداعي لهذا الأمر ، هل هذا سيجعل الغرب يقبل بالحراك أو الحزب الإسلامي ؟

إنه لن يقبل إلا أن نبتعد عن المشروع الإسلامي ابتعادًا كاملاً.

إن الجماعة عندما تنشئ كيانًا أو واجهة من الواجهات فإنها تراعي القواعد القانونية التي تحكم هذا المجال، لكن يبقي لها المرجعية و الإلتزام الذي قام عليه ذلك التأسيس لهذا الكيان و تبقي البيعة التي بايع بها الأفراد .

لماذا هذا الأمر الآن، هل لأن الدعاة لا يفهمون في السياسة، إذن علي الجماعة أن تدرب و تعد فريقها السياسي، و لكل مجال من يصلح له، ولكنهم جميعا جزء من الدعوة. هل لان قيادة الجماعة ممثله في مؤسستها الشورية و التنفيذية العليا عقليتهم محدودة، و هناك عقلية أخري واسعة الفهم في المجال السياسي، و تريد أن تبتعد عن تلك القيود و تنطلق ؟ إذن فهذا تفتيت للقيادة وانفصال عنها، نحن لا نرى بأسا من وضع قواعد للمرجعية وضوابط تحكم العلاقات كما أشرنا لكن هناك جسم واحد يجمع كل تلك الكيانات و مرجعية واحدة.

أما علي مستوي النشاط في المجتمع فأفراد الإخوان ووحداتهم الجغرافية و الفنية هي التي تملأ أنشطه الحزب، وتتحرك لنجاح مرشحيه و تحافظ علي صورته في المجتمع لأنه جزء من جسم الجماعة وليس كيانا منفصلاً عنها.

قد يكون لبعض الأماكن خصوصية خاصة بهم، لكن عندما نتحدث عن الإخوان المسلمين و عن دعوتها و مبادئها التي أسسها الإمام البنا و مرجعيتها في ذلك رسائله و توجيهاته، و عمله الدؤوب في إرساء أركان الدعوة و الجماعة، فانه ليس لدينا هذا الفصل بين الدعوي و السياسي بهذه المعاني التي أشرت إليها، و ليس لدينا هذا الشعار الذي رفضه الإمام البنا بوضوح.