1- لابد أن يتمتع المسئول – وخاصة في المستوى الأعلى كالمكتب الإدارى – بدرجة عالية من سعة الصدر وذلك لمواجهة واستيعاب أصحاب المشاكل وذوى الطباع الخاصة والأسلوب الحاد أو ذوى التجرد الناقص أو الخلل الواضح في أركان الأخوة والثقة … إلخ .

وهذه السعة تقتضى منه حسن الاستماع ، والحكمة في انتقاء الألفاظ والتوجيه الإيجابى المتدرج ، واتخاذ خطوات تربوية وعملية للعلاج ، وهذا لا يعنى تمييع الأمور وموافقة كل ذي هوى على هواه أو الإقرار بالخطأ .

وإنما رد الأمور والأفعال إلى قواعد الدعوة وضوابطها وتجريد المواقف عن أشخاصها .

2- وإذا كانت طبيعة المسئول الشخصية لا تتمتع بهذا القدر الكافى ، فيجب أن تكون هناك في هذا المستوى – من المسئولية التربوية أو الإدارية – الشخصية التي تتمتع بهذا ، فيحيل إليها المسئول هذه النماذج ، مع حرص المسئول الأعلى – كمسئول المكتب الإدارى مثلاً – أن يكون في تعامله مع الأفراد ومع هذه النماذج ألا يكون طرفاً في المشكلة معهم وذلك ليحفظ مكانة الحَكَمْ والمرجعية بالنسبة له .

3- إن الحزم التربوى يعنى دقة ضبط الأمور تربوياً وبذل العلاج واستيعاب المشاكل والشخصيات وحسن توظيفها حسب الضوابط والقواعد ، ولا يعنى سعة الصدر ترك الخلل وعدم مواجهة الانحراف .

4- لا يعنى صدور شكوى أو تصرف أو انتقاد أو خلل من أي شخص في الصف – سواء كان فرداً أو مسئولاً في مكان ما – هو التهديد أو سرعة عمل لجنة تحقيق وإلا سيتحول المناخ إلى مناخ غير جيد ، ولا تستقيم فيه التربية وتضعف في الصف معانى الأخوة والحب والاحترام ، وعند عمل لجان تحقيق يفضل أن تكون محايدة أو من خارج المستوى الإدارى المباشر لسد منافذ الشيطان ، وأن تتبع الإجراءات الصحيحة في ذلك .

لابد من المسئول في المستوى الأعلى المباشر أو من هو فوقه أن يسارع بالاستماع وحل الأمور وتهدئتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة ولفت النظر إلى الأخطاء ، فإذا استمر الأمر ورأى أهمية المشكلة فيمكن اتخاذ الإجراءات اللائحية بعد ذلك .

5- لا يجب ترك المشكلة معلقة  ، وإنما سرعة التعامل معها وعلاجها ، وإذا احتاجت إلى حسم فلا يتأخر عن ذلك وإنما يتم بالأسلوب الصحيح والاهتمام بالجانب التربوى في هذا الأمر ورد الأطراف كلها إلى قواعد الدعوة وأصول البيعة وسدّ منافذ الشيطان .

فحسب اللائحة لمسئول الشُعبة ، أو مسئول المنطقة ، أو مسئول المكتب الإدارى ، إذا قصر أحد الإخوان في واجبات عضويته أو أتى بخلل ، فله أن يلفت نظره ويعمل على علاجه بالوسائل الجدية ، فإذا استمر الأمر أحاله للمجلس الإدارى التابع له – مجلس شُعبته ، مجلس منطقة ، مكتب إدارى – للنظر في حاله واتخاذ الإجراء التربوى والإدارى المناسب معه بدءاً من النصيحة وانتهاءً بلجنة تحقيق … إلخ .

6- ولابد هنا أن يكون الستر في حال الأفراد خاصة عند من هم خارج المشكلة وخارج المستوى الإدارى إلا إذا كانت المشكلة تتعلق بانحراف في ضوابط العمل وقواعد الدعوة ، فيجب توضيح الحال لأفراد الصف الذين يعرفونه والإجراءات التي اتبعت – توضيحاً مختصراً دون اتهام للنوايا أو انتقاص للحب له داخل الصف – وذلك حتى لا يفتن أفراد الصف من أي إجراء تم اتخاذه معه ، ويتساءلون لماذا ؟ ، والإجراء الذى يترتب على ارتكاب انحرافات شخصية ، يتم إخراجه بالصورة الحسنة والتي تستر الفرد داخل الصف .

7- إننا كثيراً ما نترك مظاهر الخلل التربوى عند الأفراد دون علاج  إلى أن تستفحل وتتضخم وتتعقد بعدها المشاكل ، ولكن الأصل هو حسن معايشة الإخوان ومعرفة حالهم وسرعة التوجيه والعلاج التربوى ومتابعة ذلك ، كما ننبه على أهمية بناء الأخ وترسيخ القواعد التربوية لديه عند التزامه بالجماعة وعند تصعيده التربوى ، ومتابعة ذلك باستمرار فالتحصين أساس علاج كثير من المشاكل والاهتمام بالمؤسسية ومدى الصلاحيات تضبط كثيراً من التجاوزات سواء من المسئول أو من الأفراد .

8- بالنسبة للقادة والمسئولين ورموز الجماعة ، فإنه تكون عليهم ضوابط وقواعد وواجبات أكثر من المطلوبة من غيرهم من أفراد الجماعة ، ويجب أن يعرفوا ذلك .

وقد تجوز أمور في حق فرد الجماعة ولا تجوز في حقهم ، وأن ما يطلبونه في مسار عملهم وحياتهم في المجتمع ، مرهون أولاً بمصلحة الجماعة وسلامتها ، وعليه أن يستأذن أولاً في أمور قبل أن يُقدم عليها ، وقد لا يكون هذاً مطلوباً من الفرد العادى في الجماعة في كل الأحوال .

9- مع وضوح الضوابط التنظيمية وأهمية الالتزام بها ، إلا أنها ليست قوالب جامدة ، وإنما لها روح ومناخ تحققه . وعلى المسئول أن يستوعب الالتزام بها ، وكيف يطبقها هو ومن معه ؟ ، وفق تلك الروح وذلك المناخ .

فإذا اصطدمت في التنفيذ الجامد مع قاعدة من قواعد الدعوة أو ثوابتها ، فعليه أن يقدم القاعدة أو تلك الثوابت عليها .

كما أن عملية تصحيح الخلل في سلوك الأفراد الذين لا يلتزمون بها له أصوله وقواعده من إيضاح تلك الضوابط وإفهامها لهم ، وبيان الخلل الذى يطرأ على عدم الالتزام بها ، كما يتوقف ذلك أيضاً على مستوى الفرد التربوى ، وهل هو مؤيد أم منتسب أم عامل ؟

وإذا تجاوز أحد الأفراد في تصرف دون استئذان مسئوله – فيما يرى فيه مصلحة باجتهاده – فعلى المسئول أن ينظر أولاً إلى مضمون الإجراء الذى تم ، وهل فيه فائدة ؟ ولا يكون كل همّه هو الرفض أو اتخاذ إجراء سلبى مما حدث ، لمجرد المخالفة التنظيمية وعدم استئذانه .

وكمثال يوضح ذلك :

إذا قام أحد الأفراد بدعوة أحد كبار المربين أو رموز الدعوة ، لحضور مناسبة عنده أو احتفال ، وذلك باتصالاته الشخصية ، دون استئذان المسئول المباشر عنه أو عن هذا المكان . فعلى المسئول أن يستفيد من حضور تلك الشخصية وما يمكن أن يفيد الأفراد في ذلك المكان . ثم بعد ذلك يوجه ويلفت نظر هذا الأخ إلى أهمية الضوابط التنظيمية ، وذلك بدلاً من اتخاذ موقف الرفض والمقاطعة .

10- عند تعامل أي مسئول أو مربى ، مع مجموعة من الأفراد منضمة للجماعة ، بخصوص عمل أو نشاط عليه مع أداء مهمته أن يتأكد من عدة أمور :

أ- تطابق رؤيتهم مع رؤية الجماعة ومنهجها ، ووجود القناعات المطلوبة والفهم الصحيح لديهم .

ب- مدى تمسكهم برباط الجماعة والولاء لها والحرص على ذلك .

ج- مدى إيمانهم بسمو الدعوة وعظمة الغاية واحترام التنظيم والقيادة .

د- غياب العلل القادحة : مثل العجب – الكبر – الرياء – … إلخ . [ لمزيد من التفصيل يراجع كتاب الإخلاص للمؤلف ]

وبالتالي يكون له دور تربوى في استكمال ذلك أو يُحيل الأمر لمن له قدرة تربوية لإصلاح هذه الجوانب التي لا يجوز إهمالها بحجة العمل والنشاط .

11- يقول الإمام البنا عن صلة المسئول من الإخوان أياً كان موقعه بالأفراد الذين معه : ” صلة الرئيس بالمرؤوس , ليست صلة الإدارة البحتة والإشراف العلمي فقط , ولكنها صلة فوق ذلك كله : صلة الروح أولاً , وصلة أفراد الأسرة الواحدة بعضهم ببعض , والتزاور في الله , فدعاة الإخوان يزورون إخوانهم ويختلطون بهم ويعرفون أهم ما يتصل بحياتهم وشؤونهم الخاصة والعامة .. ” [ رسالة المؤتمر الخامس ]

ويقول اللواء طيار محمد الشناوى – رحمه الله – من الرعيل الأول للإخوان : ” نسمع لقيادتنا بقلوبنا ” .

وركن الثقة الذى يبايع عليه الأخ ضمن أركان البيعة العشر ، يكون للمكانة التي اختارت فيها الجماعة ذلك المسئول وتلك القيادة ، وليست لذات شخصية ، ثم هي تزداد عمقاً بالتواصل والتعرف على قيادته .

12- علينا أن نغفر ذلاّت الإخوة وأن نعالجها برفق وهدوء دون توتر أو تشنج ، بل قد يكون المناسب التجاوز عنه وعدم الالتفات إليها فتمرّ مرور الكرام . قد يحدث أن يزلّ أخ ويتكلم بكلمة غير مناسبة أو يتصرف تصرفاً فيه خطأ ، فيتم تصعيد هذا الأمر للمسئولين وقد يصلّ إلى أعلى مستوى ، ويصدر بناءً عليه قرارات قد يكون أقلها إيقافه عن الحركة والعمل .

وذلك الأسلوب بعيد عن أسلوب الاستيعاب والتوجيه الصحيح . فكان لابد أولاً من مواجهة من تكلم أو فعل ، ومناقشته في هدوء وبيان وجه الخطأ دون أن يحسّ أن هذا يؤثر على علاقتنا به أو أن هناك موقفاً حاداً بالنسبة له . وكثيراً ما يكون الأمر فيه مبالغة وإضافات أثناء عملية النقل لم تحدث من ذلك الأخ . وأحياناً يكون الخطأ ليس عنده ، بل عند من لم يوضح له الأمور وما يجوز وما لا يجوز .

إنه لابد أن يكون واضحاً لدينا أنه مع انطلاقة الأفراد بالحركة والدعوة ستكون هناك أخطاء وزلاّت ولابد أن يتسع صدرنا لكل ذلك وأن نحسن التعامل مع هذه الأمور وعلاج أسبابها ، وأن نحسن توجيه الأفراد في حركتهم وانطلاقتهم وليس أن نحدها ونمنعها بحجة منع الأخطاء .

13- قد تُفاجأ الجماعة بأن أحد الأفراد المسئولين بأى مستوى ، قد انزلق إلى ارتكاب كبيرة من الكبائر خصوصاً في الانحراف الأخلاقى ، وقد يكون مستمراً على ذلك ، فتكون الإجراءات هي انتداب عدد قليل من مستوى المسئولية المناسب في الجماعة – اثنان أو ثلاثة – ويتميزون بالحكمة للتحقق والتأكد من الأمر ، ولابد من مقابلتهم لمن يقوم بحقه الادعاء .

فإذا تأكدوا من ذلك أو كانت الشبهات قوية شبه مؤكدة ، أبلغوا المستوى الإدارى الذى يقوم بالمحاسبة أن هناك انحرافاً قد تأكدوا منه – دون الإفصاح عن ماهية وتفاصيل هذا الانحراف – حفاظاً على مبدأ الستر في حق الأخ ، وتتم الإجراءات بإيقافه عن العمل والمسئوليات التي معه ، وتخصيص محضن تربوى خاص به ، ومرجعية يرجع إليها .

أما الدائرة التي يتعامل معها في الجماعة ، فيتم إبلاغها أنه في محضن تربوى خاص ، ولمهمة تريدها منه الجماعة .

وفى المحضن التربوى يتم علاج هذا الانحراف ، إلى أن تتأكد من تخلصه وعودته للطريق الصحيح ، فتتم عودته إلى صفوف الجماعة وأنشطتها ، ويقضى فترة – تحددها جهة الإدارة – يكون تحت الملاحظة التربوية ولا يتولى فيها مسئوليات ، للتحقق من صفاء العودة الصحيحة له ، ثم بعدها يُكلف بالمهام والمسئوليات مثل أي أخ .

وإذا ما كان هذا الانحراف له ارتباط بعناصر في المجتمع ، فلا يُقدَّم في هذا المكان كرمز دعوى أو سياسى منعاً لتجريح الجماعة من جانب أفراد بالمجتمع .

– نخلص من ذلك أن هناك ضوابطاً أساسية في التعامل مع مثل تلك الحالات ، وهى :

1- الستر ، وعدم الإشاعة داخل الصف ، أو داخل كل أعضاء المستوى الإدارى المسئول .

2- التحقيق والتأكد من قِبَل لجنة مصغرة مختارة بعناية ، ولابد لها من مقابلة هذا الأخ .

3- العلاج الفعَّال والمحضن التربوى الخاص ، واتخاذ الإجراءات الإدارية في هذا الشأن .

4- العود الحميد ، والنجاح في العلاج وفى الستر ، وعدم معرفة التفاصيل .

– أما إذا أقرَّ الأخ بخطئه أو لمّح إلى ذلك ، ولكنه سارع بالإقلاع عنه والتوبة منه ، فإن قرارات الإيقاف الإدارية فترة أو استمراره فيها يعود للمكتب الإدارى المسئول عنه .

لكن قاعدة تقديمه أو عدم تقديمه كرمز دعوى أو سياسى في ذلك المكان ، فهى قائمة .