– لابد أن يدرك الإخوة ومؤيدى المشروع الإسلامي ، آليات الديمقراطية ، وأن يعملوا سياسياً من خلال الالتزام بها .

إن الديمقراطية تقوم على آلية تبادل السلطة ، ووجود التنافس بين مختلف القوى الحزبية للوصول للسلطة عبر صناديق الاقتراع ، وأن الأمر في ذلك كله مردود للشعب هو صاحب السلطات ، فلابد أن يكون هناك أغلبية ومعارضة . وهذا يحدده رأى الشعب من خلال الصندوق الانتخابى ، بانتخابات حرة نزيهة .

– ولابد أن يكون هناك تنافس بين تلك القوى الحزبية ، أي بين المعارضة والأغلبية ، فهذا هو الأصل ، وليس التوافق كما يدعى البعض ( إذا حدث فلا بأس به ، لكنه يكون في الظروف القومية الكبرى فقط ) .

ولا يمكن توصيف وجود معارضة وأغلبية – حتى ولو كانت أغلبية بسيطة – أن الشعب وقواه الحزبية منقسمة ويجب المصالحة بينهما . ومن لا يستوعب ذلك فلينظر إلى آليات الديمقراطية في الدول الغربية .

– وقبل أي انتخابات برلمانية – أو غيرها – قد تحدث ارتباطات توافقية بين الأحزاب المتنافسة وذلك للحصول على الأغلبية ، وقد تحدث بعد الانتخابات بين بعض القوى المتنافسة لضمان الحصول على الأغلبية في البرلمان وفق قواعد للمشاركة يتفقون عليها .

– والمشاركة دائماً تنبنى على التوافق حول البرنامج الذى تطرحه القوى التي تعاونت لتحقيق الأغلبية سواء قبل أو بعد الانتخابات .

وليس المطلوب في الديمقراطية أن تكف المعارضة عن التنافس أو عن معارضتها لمن حاز الأغلبية ، وكل طرف يعرض برنامجه ورؤيته ، وفى نهاية المرحلة يتم الاحتكام للشعب .

فليس الهدف في الديمقراطية أن ينتهى التنافس أو أنه لابد أن يكون هناك التوافق والتشارك ، بل إن عدم وجود معارضة حقيقية يشكك في الديمقراطية الموجودة .

إن أىّ آلية تلغى المعارضة ، فإنها تعنى إضعاف العملية الديمقراطية .

– لكن هذا التنافس ووجود المعارضة والأغلبية ، تحكمه قواعد أساسية من أهمها :

1- أن هناك دستور يحترمه الجميع .

2- الالتزام بسلمية التنافس .

3- وجود قواعد أساسية خاصة بالوطن يحترمها الجميع ويلتزمون بها في حراكهم السياسى ، مثل : وحدة أرض الوطن – قاعدة المواطنة في التعامل – الالتزام بالنظام الديمقراطى – المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات .. إلخ ، وهذه كلها أمور يحددها الدستور .

4- عدم إقصاء المعارضة ، أي لا تقوم الأغلبية بإقصاء وتهميش المعارضة وتواجدها مستغلة أغلبيتها البرلمانية ، فلا تتيح لها الحديث في البرلمان أو المشاركة في لجانه ، أو عدم دعوتها لإبداء الرأي في أمور هامة خاصة بالوطن من قِبَل الحكومة .. إلخ .

وإنما من حق قوى المعارضة التمثيل في لجان البرلمان كلٌ حسب ثقله وتواجده ، وغير ذلك من حقوق . كما لا تتم مصادرة وسائلها الإعلامية أو تُمنع مؤتمراتها ، ما دامت لم تتجاوز القانون .

5- عدم تغوّل المعارضة على حقوق الأغلبية والصلاحيات التي أعطاها لها القانون . لكن للمعارضة أن تعارض بالوسائل السلمية ( النضال الدستورى والكفاح السياسى ) .

6- البعد عن استخدام السلاح أو تشجيع المليشيات المسلحة أو تشجيع الإرهاب .

7- احترام الجميع لطبيعة النظام الديمقراطى وآليات الديمقراطية في جميع جوانبها ، فلا يلغى أحد كيان الآخر ، واحترام نتائج الصندوق الانتخابى الحر النزيه ، مع استعداد الجميع لتبادل المواقع حسب إرادة الناخبين .

وكذلك احترام كل طرف للآخر وأهمية وجوده في منظومة الوطن .

– هناك فرق بين التنافس والنضال السياسى ، وبين الصراع المذموم ( وهو الذى لا يحترم أو يلتزم بآليات الديمقراطية ، ويستهدف الفوضى وعدم الاستقرار في المجتمع ، سواء هذا من أحزاب الأقلية أم من أحزاب الأغلبية ) .

كما أن المعارضة القوية عندما يكون أداؤها صحيحاً ومتميزاً ، فإن هذا يصب في صالح الوطن ، بل وفى صالح الأغلبية – إذا حسنت النوايا – لأنه يبعدها عن الرأي الواحد المتسلط ، ويوضح لها نقاط الضعف أو مجالات الخطأ .

– هذا هو رأى الإخوان واعتقادهم بأهمية الحياة النيابية وأهمية وجود المعارضة وحرية الصحافة . وذلك منذ عام 1954 ( فكانوا ضد قانون حلّ الأحزاب عام 1953 ، لكن مع وجودها وإصلاح حالها ) .

ونذكر هنا فقرات من الخطاب الذى أرسله المرشد الأستاذ حسن الهضيبى إلى جمال عبدالناصر رئيس مجلس الوزراء – وقتها – في 4 مايو 1954 :

” .. وإن مصر لتحتاج إلى الاستقرار ، وهو أمر لا يُنال بالكلام ، ولا يُدرك بالشدّة ، ولكنه يُنال حينما يشعر الناس شعوراً حقيقياً بأنهم حماة الثورة .. أما القوة وحدها فإنها لا تحقق الغاية المقصودة . ويُدرك الاستقرار كذلك بالعدل والإصلاح والرفق ، إنه لن يُغنى واحد من هذه عن الآخر ، وإن للاستقرار وسائل أُحِب أن أضع تحت نظركم منها ما يأتي : إعادة الحياة النيابية .. إلغاء الإجراءات الاستثنائية والأحكام العرفية .. إطلاق الحريات .. ” .

” 1- إعادة الحياة النيابية : لا ريب أن الحياة النيابية هي الأساس السليم لكل حكم في العصر الحاضر ، وإذا كانت تجارب الماضى قد أظهرتنا على بعض العيوب ، فمن واجبنا أن نُخلى حياتنا النيابية من العيوب وأن نجعلها أقرب ما تكون إلى الكمال . والأمة لا تتعلم بإلغاء الحياة النيابية في فترة الانتقال ، وإنما تُتَعلّم بممارسة الحياة النيابية بالفعل ، فلنشرع فوراً فيما يؤدى بنا إليها في أقرب وقت .

2- إلغاء الإجراءات الاستثنائية والأحكام العرفية : فإن الإجراءات الاستثنائية إذا أفادت الهدوء المؤقت والاستقرار الظاهر ، فإنها تخلق حالة من الغليان ، وتُذْكى النار تحت الرماد ، ولن يُؤمَن على مستقبل الوطن إذا اشتعلت فيه النيران .

3- إطلاق الحريات : وأود أن تطلقوا الحريات جميعاً ، وعلى الأخص حرية الصحافة ، فإن في ذلك خير مصر وأمنها وسلامتها . ولقد رأيتكم تأخذون على الناس أنهم لم يقولوا لفاروق ” لا ” حيث يجب أن تُقال ، وأنتم الآن بفرض الرقابة على الصحف تمنعون الناس أن يقولوا  لكم ” لا ” حيث يجب أن تُقال ، وما هكذا تُربى الأمة على نصرة الحق وخذلان الباطل .

ونحن لا نُسلِّم بأن تتجاوز الصحافة حدودها ، ولا أن يُطلق لها العنان لتُلَبْس الحق بالباطل ، وإنما نحب أن تُترك لتقول الحق في حدود القانون ، فإذا تجاوزته حق عليها العقاب ، وقد تجدون في معارضة الصحف لكم خيراً كثيراً ” أ.هـ [ المصدر : الوثيقة رقم 5 في كتاب حصاد العمر للواء صلاح شادى ]

كما يقول لعبد الناصر في رسالة أخرى في نفس العام : ” .. إن الأمة قد بلغت من حُسن الرأي ومن النضج مبلغاً يسمح لها بأن لا يتصرف أحد في شئونها دون الرجوع إليها والأخذ برأيها .. ” .

وفى رسالة أخرى لمحمد نجيب في 16 مارس 1954 : ” .. مصر ليست مِلْكاً لفئة ما معينة ، ولا يحق لأحد أن يفرض وصايته عليها أو أن يتصرف في شئونها دون الرجوع إليها والنزول على إرادتها .. ” .

– وقد يستفسر بعض الإخوة عن موقع الدعوة الإسلامية من تلك الآليات في الديمقراطية ، فنوضح أن مجال العمل الدعوى والتربوى داخل المجتمع لتربية الشعب وإصلاح سلوكياته وإقناعه بالمرجعية الإسلامية ، هو واجب الدعاة وكل أخ في الجماعة وكل مسلم وهيئة تعمل لخدمة المشروع الإسلامي ، وهو لا يحتاج آليات التنافس التي هي جزء من الديمقراطية أو المعارضة أو التوافق مع فئة ضد أخرى ، وإنما يحكمه فقه الدعوة وتحديد الأولويات وإيجاد النماذج القدوة والبعد عن العنف والإكراه ، وربط القلوب والنفوس بالله ، وإظهار روعة وعظمة الشريعة الإسلامية .

ولا شك أن العمل السياسى ونجاح البرنامج الإصلاحى الذى يحمله من يتحرك في هذا المجال ، له أثره الإيجابى وامتداده العميق في التفاف الشعب حول المشروع الإسلامي الإصلاحى ، وأنه لا تعارض بين مفاهيم الدعوة وبين المنظومة الديمقراطية في المجتمع .