مقدمة :  

هذه الصفحات شرح وتوضيح لما ذكره الإمام البنا في رسالتى المؤتمر الخامس والسادس حول موضوع استخدام القوة .

وكان واضحاً في التأكيد على النهج السلمى والوسائل السلمية ، ولكنه كصاحب دعوة ومشروعاً إسلامياً – يواجه المؤامرات والأعداء والمستجدات – حدد ووضَّح متى يجوز استخدام القوة ؟ ، وما هي الشروط الأساسية لذلك ؟ ، وكيف يكون ردّ الاعتداء ؟ .

كما أن رسالة الإمام البنا واستخدام القوة للمؤلف تعتبر كمقدمة وتكملة لتلك الرسالة .

توضيح لأهداف الدعوة ووسائلها :

يوضح الإمام البنا شمول دعوة الإخوان المسلمين سواء في الأهداف أو في مجالات العمل .

يقول رحمه الله : ” ندعو إلي الإسلام الذي جاء به محمد  r ، والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه ” . [ رسالة بين الأمس واليوم ]

– وقد أكد الإمام البنا على منهج ووسائل عمل الإخوان داخل المجتمع المسلم ، وأنها وسائل سلمية وتعتمد على التربية والفهم والإقناع وغيرها من الوسائل الدستورية والسياسية .

– يقول الإمام : ” إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل علي صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها : ] صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً [  [ البقرة : 138 ] ، وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة علي هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول علي حكمها ” . [ رسالة المؤتمر الخامس ]

– وحدد الإمام البنا سبعة مراتب للعمل والإصلاح تتلخص في : تكوين الفرد المسلم ، وبناء البيت المسلم ، وتغيير العرف العام وصبغ المجتمع بالصبغة الإسلامية ، وتحرير الوطن من كل سلطان أجنبى ، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق ، واستعادة الكيان الدولى للأمة الإسلامية وإعادة الخلافة المفقودة ، ثم أستاذية العالم بنشر دعوة الحق والسلام فيه .

– ” أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيؤن له أنفسهم .. فهو إصلاح شامل كامل تتعاون عليه قوي الأمة جميعاً وتتجه نحوه الأمة جميعاً ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل ” . [رسالة المؤتمر السادس  ]

– كما أكد الإمام البنا على أهمية ثلاثة أمور في عملية الإصلاح ، وهى :        

– تكوين الشعب ، وانحيازه للفكرة الإسلامية .

– الوصول للسلطة التنفيذية ، وإصلاح الحكومة .

– التحرر والاستقلال الكامل عن كل سلطان أجنبى .

وأن يصاحب ذلك تكوين الجماعة المترابطة ، ذات الانتشار الواسع ، والتي تحقق قوة العقيدة وقوة الرابطة وقوة الساعد ، لتَكُون هي النواة التي يلتف حولها الشعب وتَكُون هي ركائز الحكم .- يقول الإمام البنا في هذا الأمر : ” إن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية ، لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف .. ” . [رسالة المؤتمر الخامس ]

.. ” فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله ” . [ رسالة المؤتمر الخامس ]

.. ” الإخوان المسلمون يعملون ليتأيد النظام بالحكام ، ولتحيا من جديد دولة الإسلام ، ولتُشمل بالنفاذ هذه الأحكام ، ولتقوم في الناس حكومة مسلمة ، تؤيدها أمة مسلمة ، تنظم حياتها شريعة مسلمة  ، أمر الله بها نبيه r في كتابه حيث قال : ] ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون , إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [  [ الجاثية 18 : 19 ] ” . [ رسالة المؤتمر السادس .]

.. ” ولهذا كان هدف الإخوان المسلمين يتلخص في كلمتين : العودة للنظام الإسلامي الاجتماعي ، والتحرر الكامل من كل سلطان أجنبي ” . [ رسالة المؤتمر السادس ]

– ويشير الإمام إلى الوسائل التي ستلجأ إليها الجماعة : ” أما وسائلنا العامة : فالإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الرأي العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان ، ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح .. ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية ” . [ رسالة المؤتمر السادس ]

– وهذه الوسائل السلمية جذرية  في الإصلاح وثورية في مواجهة الظلم والفساد ، يقول الإمام : ” أما كيف نتخلص من ذلك ؟ فبالجهاد والكفاح , ولا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة , فنخلص من ذلك كله بتحطيم هذا الوضع الفاسد وأن نستبدل به نظاماً اجتماعياً خيراً منه , تقوم عليه وتحرسه حكومة حازمة ، تهب نفسها لوطنها ، وتعمل جاهدة لإنقاذ شعبها , يؤيدها شعب متحد الكلمة متوقد العزيمة قوي الإيمان .. ” . [ رسالة المؤتمر السادس ]

.. ” ولا تستطيع حكومة مصرية أن تقوم بهذا الإصلاح الاجتماعي حتى تتحرر تماماً من الضعف والعجز والخوف والتدخل السياسي الذي يقيد خطواتها , وتتخلص من هذا النير الفكري الذي وضعته أوربا في أعناقنا فأضعف نفوسنا وأوهن مقاومتنا ” . [ رسالة المؤتمر السادس  ]

– وقد رفض الإمام البنا الثورة المدمرة مثلما حدث في الثورة البلشفية والثورة الفرنسية ، فقال واصفاً تلك الثورة التي يرفضها : ” والثورة الهوجاء التي لا غاية لها , ولا ضابط ولا نظام ولا حدود , ولا تعقيب إلا الهلاك والدمار والخسارة البالغة ” . [ مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي ]

.. ” وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها , ولا يعتمدون عليها ” . [ رسالة المؤتمر الخامس ]

أما الثورة الجماهيرية كوسيلة من وسائل النضال الدستورى والتصدى للظلم والاستبداد فقد أقرها الإمام البنا ونادى بها ، وكان يخرج على رأس المظاهرات الحاشدة ، ويتحمل الإخوان فيها التضحيات من شهداء وجرحى واعتقالات .

إن الخطوة التنفيذية للوصول لسدّة الحكم تكون كما أوضح الإمام البنا : ” بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار ومتانة التكوين .. ” [ رسالة بين الأمس واليوم ]

وامتلاك الجماعة للمهارات اللازمة .. وأن يتحقق هذا الانحياز بوسائل النضال الدستورى والكفاح السياسى ، وأهمها الصندوق الانتخابى ، لكنه لا يكفى دون تحقيق الانحياز الشعبى وكثرة الأنصار للدعوة ، وقوة التكوين والعقيدة والرابطة في صفوف الجماعة .

موضوع قوة الساعد في منهج التغيير :

وقد وضح ذلك بصورة كاملة في رسالتى المؤتمر الخامس والمؤتمر السادس .

والمقصود هنا في قوة الساعد ، قوة السلاح . وأن مبدأ القوة وحيازتها لا يأباه الإسلام ، لكنه حدد شروطاً وضوابطاً لاستخدامها .

وإذا كان الأصل في منهج التغيير والإصلاح هو الوسائل السلمية ، إلا أن الإمام البنا جعلها آخر الوسائل إذا فرضت الظروف ذلك ووفق شروط وضوابط .

يقول الإمام البنا : ” أما القوة فشعار الإسلام في كل نظمه و تشريعاته , فالقرآن الكريم ينادي في وضوح و جلاء: ] وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ [ [ الأنفال : 60 ] ، والنبي r يقول : ( المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ) , بل إن القوة شعار الإسلام حتى في الدعاء .. فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قوياً في كل شيء , شعاره القوة في كل شيء ؟ .. فالإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء , ولابد أن يعملوا في قوة .. ” . [ رسالة المؤتمر الخامس ]

.. ” أما سوي ذلك من الوسائل فلن نلجأ إليه إلا مكرهين ، ولن نستخدمه إلا مضطرين ، وسنكون حينئذ صرحاء شرفاء ، لا نُحجم عن إعلان موقفنا واضحاً لا لبس فيه ولا غموض معه .. ” . [ رسالة المؤتمر السادس ]

.. ” وفي الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة – أي 12 ألف أخ – قد جهزت كل منها نفسها روحياً بالإيمان والعقيدة ، وفكرياً بالعلم والثقافة ، وجسمياً بالتدريب والرياضة ، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار ، وأقتحم بكم عنان السماء . وأغزو بكم كل عنيد جبار ، فإني فاعل إن شاء الله ” . [  رسالة المؤتمر الخامس ] ( وقتها كان عدد سكان مصر حوالى 16 مليون )

.. ” وإن قيل لكم أنتم دعاة ثورة ، فقولوا نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به ، فإن ثُرتم علينا ووقفتم في طريق دعوتنا فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا وكنتم الثائرين الظالمين ” . [ رسالة بين الأمس واليوم ]

– والقوة ليست نوعاً واحداً ، وهى تعنى استخدام اليد في التغيير ، وأعلى درجات القوة هو استخدام السلاح في إزالة أمر واجب الإزالة ، أو تحصيل أمر واجب التحصيل ، والتدرج في استخدام نوع القوة المستخدمة يجب مراعاته ، فلكل نوع مجاله وظروفه وضوابطه .

وقد وضع الإمام ابن القيم قاعدة عامة في تحديد مدى جواز التغيير باليد ، فقال في كتابه ” إعلام الموقعين ” : ” فإنكار المنكر أربع درجات :

الأولى : أن يزول ويخلفه ضده .

والثانية : أن يقلّ وإن لم يزل بجملته .

والثالثة : أن يخلفه ما هو مثله .

والرابعة : أن يخلفه ما هو شر منه .

فالدرجتان الأوليان مشروعتان ، والثالثة موضوع اجتهاد والرابعة محرمة ” . [ إعلام الموقعين ، لابن القيم ]

ضرورة استخدام القوة عندما يتطلب الأمر ذلك :

يقول الإمام البنا : ” وبعد كل هذه النظرات والتقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين : إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها ، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة ، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء ، وسينذرون أولاً ، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة ، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح ” . [ رسالة المؤتمر الخامس ]

الأحوال التي يتم فيه استخدام القوة :

حدد الإمام البنا أموراً محددة لاستخدام القوة :

1- إذا فشلت الوسائل السلمية في تحقيق التغيير المنشود ، والوصول لسلطة التنفيذ ” سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها  ” ، ومن تلك الأحوال أن القائمين على السلطة لا يعتمدون آلية تداول السلطة بالصندوق الانتخابى . أو حريصين على تزويره والسيطرة على مقدرات الأمة والاستبداد بها ، وهنا لابد من المواجهة عندما يكتمل الإعداد .

2- إذا وصلت الجماعة لتحقيق الانحياز الفعلى للسلطة بالوسائل السلمية ( مثل انحياز غالبية الشعب لها ، والوصول بالصندوق الانتخابى إلى السلطة ) لكن رفض القائمين عليها التسليم بذلك ، وأخذوا في مقاومة هذا الانحياز .

3- إذا نجحت الجماعة في الوصول للسلطة التنفيذية فعلياً وأصبحت فيها ، لكن تمردت عليها فئة واستخدمت القوة لإزاحتها ، أو نجحت تلك الفئة المتمردة في ذلك ، وبالتالي تكون أصبحت ضمن أحكام الحاكم المغتصب – الذى  يغتصب السلطة من الحاكم الشرعى –  ، وحكم الشرع في ذلك معروف وهو مواجهته بالقوة حتى لو ترتب على ذلك قتله وقتل من معه وسانده .

وقد حذر سيدنا عمر بن الخطاب t من إحداث بيعة ثانية خلاف بيعة الحاكم الشرعى حتى لا يُقتل هو ومن بايعه .

4- في حال تعرض المشروع الإسلامي للإبادة من قبل الأعداء ، وليس مجرد ضربات يمكن امتصاصها . وبالتالي فهى للدفاع عن المشروع الإسلامي ورد العدوان ، ويُشترط لذلك امتلاك الجماعة القدرة على الدفاع ، فإن لم تقدر حينها ، فتسعى لامتلاكها .

5- لمقاومة المحتل الأجنبي للوطن . وقد قام الإخوان المسلمون بذلك على أرض فلسطين وفى معارك القناة ضد الانجليز .

6- إذا فرضت سرعة الأحداث ومستجداتها أن تتحرك الجماعة للأمام وكانت تستطيع ذلك ، وحاول أحد عرقلة هذا الإنجاز – وهو وصولها للسلطة التنفيذية – .

يقول الإمام البنا : ” فإذا جاءت السرعة التي يعلم بها الإخوان أن البطء والهدوء سيقف تقدمهم أو يأخذ من انتصارهم ،  فسيعلمون حينئذ كيف يزودون عن دعوتهم ، وكيف تكون الموتة الكريمة في سبيل الغاية العظيمة ” . [ مذكرات الدعوة والداعية ]

أحوال رفض الإمام البنا فيها استخدام القوة :

1- رفض الإمام البنا استخدام القوة ، لمجرد أن الجماعة تستطيع ذلك ، وكان له رأى رافض لما يقوم به أفراد حزب مصر الفتاة في الهجوم على بعض مظاهر الخلل لأحكام الإسلام . حيث أن الحِسْبة باليد تكون وظيفة الحاكم ، وأن تقصير الحكومة يعالج بالضغط عليها لتقوم بدورها التشريعى والتنفيذى في حماية المجتمع . وبالتالي فاستخدامها في أمور فرعية لمجرد رؤية سطحية دون النظر إلى واقع الحال وما وراء الأمور ، هو من الأحوال المرفوضة .

2- أن تكون الجماعة لا تملك القوة المناسبة والكافية لردّ العدوان ، وبالتالي تكون نتيجة المواجهة في غير صالحها . وعليها أن تنتظر حتى تستكمل استعدادها .

3- أن تكون الضربات الموجهة لها ليست إلى درجة الاستئصال للمشروع الإسلامي ، وتستطيع الجماعة أن تتحملها  ( مثلما تحملت محنة عبدالناصر وغيره من حكام ) .

4- أن تكون الجماعة غير مترابطة ، بل متفرقة يسودها التنازع ، خامدة الإيمان ، لأن هذا الأمر وحده يحكم عليها بالفشل .

شروط وضوابط استخدام القوة :

يقول الإمام البنا : ” هل أوصى الإسلام – والقوة شعاره – باستخدام القوة في كل الظروف والأحوال ؟ أم حدد لذلك حدوداً واشترط شروطاً ووجه القوة توجيها محدوداً ” . [ رسالة المؤتمر الخامس ]

ومن هذه الشروط :

1- الاستخدام الصحيح للقوة ، والذى أشرنا إليه وإلى الأحوال التي تستخدم فيها وأن آخر الدواء الكىّ .

2- أن يكون الصف محقِقَاً المواصفات المطلوبة الأساسية من قوة العقيدة وقوة الرابطة والتفافه حول قيادته وغياب التنازع والجدل داخله .

3- أن الوسائل السلمية أصبح واضحاً أنها وصلت إلى طريق مسدود ، وقد تم تجربتها ففشلت .

4- امتلاك الجماعة من وسائل القوة ما تستطيع أن تبدأ به وتؤدى الدور المطلوب وتحقق الهدف المنشود .

5- أنه لن يكون البادئ بالعدوان .

6- الإقدام في ثبات وقوة وعدم تذبذب وتحمل النتائج برضاء وارتياح .

7- صدور القرار بالشورى ووفق المؤسسية .

8- موازنة النتائج ، قبل اتخاذ القرار ، ويتطلب ذلك أن نغوص وراء الأمور ، وأن نلجأ لله بالدعاء ليهدينا إلى الصواب ] وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [ [ سورة العنكبوت : 69  ] .

9- الحرص على تجنب الدماء قدر الإمكان ، ولهذا كان الإنذار مطلوب أولاً ، حتى ينفض من هم حول هؤلاء الظلمة المعتدين ممن يحرسونهم ويخدمونهم . فإذا بقوا حولهم فقد اختاروا أن يكونوا معهم .

وهذا الإنذار ، هو إنذار عام باستخدام القوة في مواجهة الظلمة المعتدين بالسلاح ، وذلك ليبتعد عن مصاحبتهم وحراستهم من ليس من هؤلاء الظلمة ، فإذا بقى بعد الإنذار معهم ، فهو يُعرِّض نفسه لإصابة ما يصيب الظلمة في المواجهة .

وإذا تصادف أن أُصيب أحد من المواطنين بتواجده دون قصد منه أو كان مُكرهاً على ذلك ، فإن له حق الديَّة .

وهذه الضوابط والمحاذير في استخدام القوة ، لا تمنع الدفاع الشرعى عن النفس والمال والعرض والوطن ، ومواجهة من خرج وتمرد على الأمة وإرادتها .

10- وجود التصور كيف ينتهى الأمر ؟ ، أي تملك الجماعة البداية وتملك النهاية .

يقول الإمام البنا موضحاً ما سبق أن أشرنا إليه : ” و لكن الإخوان المسلمين أعمق فكراً وأبعد نظراً من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر , فلا يغوصوا في أعماقها ولا يزنوا نتائجها وما يقصد منها وما يراد بها ” . [ رسالة المؤتمر الخامس ]

ويقول أيضاً : ” فهم يعلمون – أيّ الإخوان – أن أول درجة من درجات القوة ، قوة العقيدة والإيمان , ثم يلي ذلك قوة الوحدة والارتباط , ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح , ولا يصح أن تُوصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعاً , وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مُفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك .. ” . [ رسالة المؤتمر الخامس ]

.. ” من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف ”  [ رسالة المؤتمر الخامس ]

.. ” هل يكون استخدام القوة في كل الظروف والأحوال ؟ ، هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي ؟ ” . [ رسالة المؤتمر الخامس ]

خاتمة :

إن رسائل الإمام البنا تشكّل المرجعية الأساسية لبناء التصور الصحيح ، ولأن القوة أحد الوسائل الفاعلة في التغيير ، فإن الرؤية المتوازنة والتي تضع كل أمر في نصابه الصحيح هامة جداً . لأنها يجب أن تعمل معاً أو يكمل بعضها البعض لتحقيق الأهداف الكبرى للمشروع الإسلامي . وقد تقتضى الظروف والأحوال تقديم وسيلة على أخرى .

وإن استقرار المفاهيم والرؤية الصحيحة يكون دائماً مقدماً على العمل والخطوات والتي قد تتأخر حسب الظروف والواقع المحيط . ولابد أن يدرك صاحب الدعوة أبعاد الحرب التى يتم شنها وتوجيهها ضد المشروع الإسلامي ودعاته ومحاولة وصفهم بالعنف .

رغم أنه طوال تاريخ الدعوة وهى تتعرض للمحن ويتم الاعتداء عليها ، وهذا شأن أصحاب الدعوات . لكن الأمر يحتاج إلى التأصيل الفكرى وإلى توضيح الضوابط الشرعية ، ونحسب أننا قد أوضحنها ملتزمين تقريباً بأقوال الإمام البنا ، والذى رفض بقوة وشدة قيام أفراد من الجماعة دون استئذان ومخالفة لكل الضوابط باغتيال الخازندار والنقراشى ، وأصدر رحمه الله بياناً يستنكر ذلك ، وأن هذا ليس من منهج الدعوة وضوابطها .