على مستوى التغيير الشعبى ، هناك ” الحراك ” الشعبى الضاغط ، لتحقيق مطلب من مطالب الإصلاح ، أو إيقاف إجراء ظالم من السلطة .

وهناك المدّ أو الزحف الثورى ، وهو يختلف عن الحراك الشعبى ، فهو موجة ثورية تمثل انتفاضة وهبة أمة ولا تنحصر في شريحة أو فئة معينة من الشعب ، وهى مستمرة حتى تحقق أهدافها – حتى لو هدأت قليلاً في بعض الأوقات – ، وتقدم التضحيات بلا سقف أو حدود .

وقد تكون في المرحلة التمهيدية أو الأولى منها عبارة عن موجات ثورية متعاقبة أو متتالية تهدأ ثم تشتد كل فترة ، أو تكون زحفاً ثورياً هادراً لتحقيق التغيير الشامل الذى تهدف إليه .

وذلك الأمر يتطلب الرؤية الصحيحة : هل وصل الشعب إلى مرحلة التثوير أم لا ؟ ، وقد تأتى أحداث تدفع وتسرّع بالوصول للاحتقان الثورى ، لهذا فإن البصيرة مطلوبة لإدراك متى تقترب مرحلة أو نقطة الاشتعال .

إن أي ثورة لابد لها من دعاة وإعداد وامتلاك مسارات إقناع الشعب وتحريكه ، وبناء قدرته على التضحية وتقوية عزيمته على المواصلة .

وهذا يحتاج – في صناعة الثورات – إلى جهد طوال سنوات وإلى عمل وإعداد متأنى ، وانتهاز الفرص ، وحسن تقدير والاستفادة من الأحداث .

ولا يكون اعتماده على مجرد انتظار نقطة الانفجار الشعبى التي قد تأتى أو لا تأتى ، أو تكون هديراً عشوائياً غير منضبط ، ليس تجمعه غاية واحدة .

ولابد من توافر وعى ثورى حقيقى ، حتى لا ينخدع الثوار أو يتم استدراجهم ، يقول الإمام البنا عن أهمية امتلاك هذا الوعى : ” ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره .. ” .

كما يتكلم عن ضرورة توفر ” التضحية ” : تضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل ..  ، وكذلك الإصرار والإرادة القوية  : التي لا يتطرق إليها ضعف .

والحراك الثورى لكى ينجح لابد أن يكون له :

1- قيادة محددة يلتف الثوار حولها ، وإن اعتُقِلت هذه القيادة أو استشهدت حلّ مكانها آخرون ، وعلى نفس الطريق تسير .

2- أهداف ومطالب واضحة محددة ، متناسبة مع الزخم الثورى وتطلعات الجماهير ولا تقف عن مجرد شعارات عامة .

3- ذراع إعلامية سياسية تعبر عن أهداف الثورة وتلتزم بتوجيه الحراك الثورى ولا تتاجر به .

4- وحدة الزخم الثورى في الجسم الأساسى للثورة .

5- الانتباه إلى الثورة المضادة سواء وقتها أو عقب نجاح الثورة ، وكيفية إحباط هدفها .

6- تحقيق السمات الأساسية للحراك الثورى بأعلى درجة ، وهى :

1- أن تكون له حاضنة شعبية واسعة ، تدعمه وتؤيده وتتفاعل معه .

2- أن يستمر هذا الحراك ، حتى لو قتلوا الآلاف أو اعتقلوهم أو اعتقلوا القيادات ، وأن يقدم التضحيات مهما بلغت .

3- ألا يتنازل عن أهدافه التي أعلنها ، ومهما كانت الضغوط .

وبالتالي فإن الحراك الثورى له ثلاثة شعارات أساسية وهى :

1- لا تفاوض : حول الأهداف ، وإنما يكون الحوار لكيفية تنفيذها بعد التسليم بها .

2- لا تراجع : في الفعاليات سواء بالتأجيل أو الإلغاء .

3- لا تنازل : عن الأهداف المحددة والمعلنة من أول يوم .

كما يحتاج الثوار إلى دراسة الثورات في العصر الحديث ، وعوامل نجاحها أو إخفاقها ، حتى تستفيد من تجارب الآخرين في هذا المجال .

وجماعة الإخوان في حراكها السياسى لا تنثنى أو تتراجع أمام التهديد بالقتل والاعتقالات والمصادرة ، إنما تنظر لمصلحة الدعوة واستراتيجيتها والمحافظة على أهدافها مهما كانت التضحيات ، وتفصل بين المحافظة على ذلك وسلامة أعضائها ، لأن هذا شأن أصحاب الدعوات ، كما قال لهم الإمام البنا ، وأكد عليه الأستاذ حسن الهضيبى في الكلمة التى وجهها إليهم ، عند رفض الجماعة للاتفاقية التي عقدها عبدالناصر مع الإنجليز عام 1954 لأن فيها انتقاص لحرية مصر ، فقال للإخوان : ” .. أيها الإخوان : إن من شأن الدعوات ألا تترخص في شيء من أصولها ، فكونوا مستعدين للموت في سبيل دعوتكم ، فإن من مبادئنا ” والموت في سبيل الله أسمى أمانينا ” ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .. ” . ( من رسالة الأستاذ الهضيبى للإخوان في 9 سبتمبر 1954 )

وقال أيضاً في مواجهة قرار مجلس قيادة حركة الضباط بحلّ الجماعة والقبض على أعضائها في يناير 1954 وهو في داخل السجن الحربى : ” .. قرار حلّ الإخوان – وإن أنزل اللافتات عن دورهم – لم يغيّر الحقيقة الواقعة وهى أن الإخوان المسلمين لا يمكن حلهم ، لأن الرابطة التي تربط بينهم هي الاعتصام بحبل الله المتين ، وهى أقوى من كل قوة ، وما زالت هذه الرابطة قائمة ولا تزال كذلك بإذن الله .. ” .

والجماعة في كل مواقفها لا تسعى للاستفزاز وتهدف إليه ، وإنما بيان الحق وما توجبه الدعوة عليها ، كما أنها لا تستكين أو تتراجع في مواجهة السلطة الظالمة ، فإذا جاء الصدام كان الثبات وعدم التراجع مع استخدام وسائل الدفع السياسى والقانونى والشعبي ، فإذا استجابت الجماهير كانت هناك الثورة التى تزيل الظالم وتقيم الحق والعدل والحرية ، كما تضع هدى رسول الله صلي الله عليه وسلم أما عينيها للتبرؤ من كل حول وقوة ومن الغرور والإعجاب بالنفس حيث يقول صلي الله عليه وسلم  : ” أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف.. ” . ( صحيح البخارى )

ولا يشغلنَّها تتابع الأحداث وتفريعاتها عن حسن الإعداد والاهتمام بركائز الدعوة في المجتمع ، وتثبيت الفهم الصحيح والتربية العميقة في أفرادها وفى الدوائر من حولها ، وكذلك قوة الرابطة والالتفاف حول القيادة .

ونحن على أبواب الموجة الثورية الهادرة في 25 يناير ، نعلن بكل وضوح وتأكيد أننا لن نتفاوض حول أهداف الثورة أو نتنازل عن أى جزء منها ولن نتراجع عن الفعاليات الجماهيرية والموجات الثورية ، مهما كانت التضحيات ، ومهما طال الوقت ، وستنتصر الثورة وستنتصر إرادة الشعب بإذن الله ، فثورتنا لن تموت وحقنا وحق الشعب وحق الشهداء لن يضيع ، وسيسقط .. سيسقط حكم العسكر ، والله أكبر ولله الحمد .