مقدمة
إن المشروع الإسلامي الذي أحياه وجدده الإمام الشهيد، مازال مستمرا وسيظل بإذن الله ليحقق أمل الأمة الإسلامية ويواجه التحدي العالمي ، بقدم ثابتة ورؤية متكاملة .
ونحتاج أحيانا إلى إلقاء بعض الضوء على جوانب ومجالات جاهد فيها الإمام الشهيد ، ووضع لها مسارات واستراتيجيات ؛ وذلك لنتعرف بدرجة أكبر على أبعاد المشروع الإسلامي ، وعلى وسائل وميادين العمل الدعوي ، وعلى جوانب مـن الإنجاز العملي تجاه قضايا وأحداث هامة.
وهذه الدراسة الموجزة لا تعني أنها قد ألمت وأحاطت بكل الحقائق والأبعاد ، ولكنها مجرد إلقاء لضوء بسيط ، وسيبقى الأمر في حاجة إلى مزيد من إلقاء الضوء ، وكشف جميع الحقائق والأعمال ؛ أداءً لأمانة الدعوة في حقها علينا وحق الأجيال القادمة في معرفة تاريخها .
وهو يدخل ضمن سلسلة :
” المفاهيم الإسلامية في مجال الدعوة “
والله الموفق وهو الهادي لسواء السبيل
الإمام البنا ومنهجه في التعامل مع الغير
كان الإمام البنا حريصاً على تحديد علاقات الجماعة، كجماعة وأفراد، مع الآخرين سواء كانوا كيانات وجماعات أو تيارات فكرية وسياسية، أو أفراداً داخل هذا الإطار.
وكان يحدد كل ذلك وفق منهجية استمدها من تعاليم الإسلام، ومن تقييم وإدراك الواقع الذى حوله.. وقد اتضح هذا فى رسائله وفى تطبيقه العملى لتلك المبادئ.
كان أسلوب الإمام الشهيد يتميز بالأسلوب الاستيعابى وليس التصادمى، مع عدم التنازل عن قول الحق وتوضحيه.
كان رحمه الله يبدأ بنقاط الاتفاق أولاً، وليس بنقاط الخلاف، مع توسيع مساحة هذا الاتفاق بالدعوة والتفاهم قدر الإمكان، ثم الأسلوب العملى الإيجابى الذى ينتج عن هذه المساحة المشتركة، ولا يقف عند حدود الكلام النظرى، بل حسن توجيه الآخرين لآداء عملى إيجابى يساهم فى إصلاح المجتمع.
و”الغير” الذى يشمله الحديث هنا، قاصر على الكيانات والتجمعات داخل الوطن والعاملة فيه بكل أنواعها، أما الحكومات والدول الآخرى فلها مجال آخر فى الحديث عنها.
وحسن التعامل مع الآخر ليس تكتيكاً أو موقفاً مرحلياً، ولكنه مبدأ تنطلق فيه الجماعة من الضوابط الشرعية والآداب الإسلامية فى التعامل مع الآخرين، والتعاون مع القوى الأخرى ليس وسيلة لمجرد تحقيق الاستفادة، وإنما مسألة مبدأ، فهى أى الجماعة أصحاب دعوة خير يستهدفون وصولها للجميع ومنهج للإصلاح يتعاون فيه الجميع.
ومع الحرص على هذه الضوابط، كان هناك كذلك الحرص على تميز الدعوة والجماعة فلا تذوب خلال هذا الحراك وذلك التفاعل، أو تنصرف عن خطتها الرئيسية وأهدافها الأساسية، أو يفقد أفراد الصف الرؤية والبوصلة التى يتحركون بها والمرجعية والولاء الذى يربطهم بجماعتهم وقيادتهم.
كما أنهم لا يتوقفون فى تحقيق أهدافهم وإنجاز دعوتهم على أحد مهما بلغ شأنه أو على أى كيان أرضى حتى ولو كان فى السلطة، بل يعتمدون ويتوكلون على الله فقط ولا تتعلق قلوبهم بغير ذلك مهما حدث من حولهم، ومهما تناولوا من أسباب ووسائل هم مطالبون بالاجتهاد فيها.
والاعتزاز بالدعوة واليقين بصوابها والثبات عليها، لا يتعارض مع التعاون والتعامل مع الآخرين، بل يدّعم ذلك، لأنه اعتزاز ينشأ معه حب الخير للناس والحرص علي وصول هذا الخير لهم، وإحساس بسمو الدعوة فتسمو معها أخلاقهم وتصرفاتهم، ولا يتأثرون بردود أفعال الناس نحوهم أو يشغلهم ذلك عن التمسك بالدعوة وأخذ أنفسهم بها.
يقول الإمام الشهيد فى مذكرات الدعوة والداعية عن سمو هذه الدعوة لأنها دعوة الإسلام التى نجهتد فى حملها وندعو الآخرين لحملها أيضاً ..” فدعوتكم أحق أن يأتيها الناس، ولا تأتى هى أحداً، وتستغنى عن غيرها، وهى جماع كل الخير، وما عداها لا يسلم عن النقص، إذن فاقبلوا على شأنكم ولا تساوموا على منهاجكم، واعرضوه على الناس فى عزة وقوة، فمن مدّ لكم يده على أساسه فأهلاً ومرحباً فى وضح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار، أخ لكم يعمل معكم ويؤمن إيمانكم وينفذ تعاليمكم ومن أبى فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه “([1]).
ويقول الإمام الشهيد أيضاً: ” موقفنا من الدعوات فى هذا البلد : دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية – بناء على طبيعة دعوتنا – موقف واحد على ما أعتقد : نتمنى لها جميعاً الخير وندعو لها بالتوفيق، وأن خير طريق نسلكها ألا يشغلنا الالتفات إلى غيرنا عن الالتفات إلى أنفسنا، إننا فى حاجة إلى عدة وإلى تعبئة، وإن أمتنا والميادين الخالية فيها محتاجة إلى جنود وإلى جهاد، والوقت لا يتسع لنتطلع إلى غيرنا ونشتغل به، كل فى ميدانه والله مع المحسنين حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق “([2]).
ويقول أيضاً: ” الإخوان يجيزون الخلاف ويكرهون التعصب للرأى ويحاولون الوصول إلى الحق ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب “([3]) .
والتمسك بالحق طالما ثبت أنه حق، ليس تعصباً وإنما هو ثبات على الحق، وإنما يكون التعصب : فى الرأى الناتج عن الاجتهاد البشرى القابل للتمحيص والمراجعة، ولا يعنى الثبات على الحق الاستعلاء على الآخرين، أو الانصراف عنهم، بل إفساح الصدر لهم ومناقشتهم بالحكمة والموعظة الحسنة لإقناعهم بهذا الحق.
والإخوان ليس من منهاجهم – كما رباهم الإمام الشهيد – احتكار الساحة العامة أو الانفراد بها، بل منهجهم – الذى يحرصون عليه – هو منهج : المشاركة، والتعاون وعدم الإقصاء، والاحترام المتبادل. رغم أن الواقع التاريخى منذ نشأتهم أظهر مدى ضيق بعض الآخرين بها، وحربهم لها، والتضييق عليها،والتشهير بها والحسد لما تحققه من نجاحات، وليس هذا تقولاً بالظن ولكنها حقائق التاريخ وأحداثه الثابتة، وسيظل بإذن الله هذا منهجهم وطريقهم مهما حدث لهم.
يقول الإمام الشهيد : “فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملونة بلون، وهى مع الحق أينما كان تحب الإجماع وتكره الشذوذ، وإن أعظم ما منى به المسلمون الفرقة والخلاف وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة “([4]) .
” وإنها دعوة بريئة نزيهة قد تسامت فى نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية واحتقرت المنافع المادية وخلفت وراءها الأهواء والأغراض” أ.هـ([5]).
كما تتعامل الجماعة بحكمة ووعى مع بعض الشخصيات التى تجرى وراء الشهرة وعلو الصيت لتجعل لها أنصاراً وأشياعاً يلتفون حولها لتنافس بهم الآخرين، وتحقق بهم مطامعها ورغباتها،وهذا وارد فى أى مجتمع .
لكنها لا تأخذ بالظن وتوزع الاتهامات أو تدخل فى صراع أو هجوم على أحد وتترك الجماعة للزمن وللمواقف والأحداث مما يظهر معه التمييز بين الغث والثمين،ويكشف عن مثل هذه النوعيات التى تتوهج فترة ثم لا تلبث أن تنطفئ”.
المبادئ التى تقوم عليها منهجية التعامل:
وضع الإمام الشهيد منهجية عامة فى هذا المجال تقوم على عدة مبادئ وأسس منها:
- مبدأ قبول الاختلاف .
- مبدأ الحوار والتفاهم.
- مبدأ التعاون .
- مبدأ الاحترام وعدم التجريح.
- مبدأ توجيه الدعوة وحسن عرضها .
- مبدأ التوجيه الإيجابى والعملى .
- مبدأ الثقة والوفاء بالالتزامات .
وسنتناول بإذن الله بعضها بصورة مختصرة :
* إن اختلاف وجهات النظر واختلاف مناهج التفكير وبرامج الإصلاح، أمر أساسى لابد منه، لأنه ليس خلافاً فى الأصل والمبدأ، ولا يمكن أن نتحد فى كل الفروع والتصورات، وهذا الاجتهاد البشرى لا يكون سبباً للخلاف والشقاق والخصومة، وإنما يكون معه الحوار والتفاهم فى جو الصفاء والحب.
يقول الإمام الشهيد : “ ونحن مع هذا نعتقد ان الخلاف فى فروع الدين أمر لابد منه ولا يمكن أن نتحد فى هذه الفروع والآراء والمذاهب، لأسباب عدة”([6]) .
” نعتقد هذا فنلتمس العذر كل العذر لمن يخالفوننا فى بعض الفرعيات، ونرى أن هذا الخلاف لا يكون أبداً حائلاً دون ارتباط القلوب، وتبادل الحب والتعاون على الخير “([7]).
* ” يعلم الإخون المسلمون كل هذه الحيثيات، فهم لهذا أوسع الناس صدراً مع مخالفيهم ويرون أن مع كل قوم علماً وفى كل دعوة حقاً وباطلاً، فهم يتحرون الحق ويأخذون به، ويحاولون فى هوادة ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم، فإن اقتنعوا فذاك، وإن لم يقتنعوا فإخوان فى الدين نسأل الله لنا ولهم الهداية”([8]) .
* إن مبدأ التعاون يكون فى المساحة المشتركة المتوافق عليها، ومجال الدعوة الإسلامية وكذلك شأن إصلاح حال الوطن،يمثل مساحة كبيرة وليست قليلة إذا خلصت النوايا،وهى لا تستلزم أن يتنازل أحد أو فصيل عن مبادئه أو منهجه الخاص به أو يتوقف عن العمل حسب رؤيته، فيكون “التعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه” .
وقد عرض رسول الله r التعاون فيما كان فيه حلف الفضول مع الآخرين، وكانوا كافرين وقال r “إن دعيت به فى الإسلام لأجبت”، أو كما قال.
* وإن مبدأ عدم تجريح الهيئات والمؤسسات والأفراد من مبادئ الدعوة الأساسية التى تلتزم بها الجماعة وأفرادها تجاه الآخرين حتى ولو أساءوا إليها أو اختلفوا معها، وهى لا ترضى بمشاركة أحد فى هذا التجاوز أو تسكت عنه، وهى تتعاون وتتحاور مع الآخرين متمسكة بالخلق الإسلامى واحترام الآخر، فى التعامل والحديث دون استعلاء أو تباهى والبعد عن التسفيه واتهام النوايا، حتى ولو انتقل هذا الآخر الوطنى إلى صف الخصوم للدعوة.
* كما أنه عند التعاون المشترك، تحدد الجماعة بوضوح دورها وتفى بصدق بالتزاماتها حتى وإن قصّر الآخرون فى التزاماتهم، ومن خلال الاحتكاك العملى ووضوح أسلوب الجماعة وشفافيته تنشأ الثقة بين الأطراف فيساعد هذا على مزيد من التعاون والعمل الصالح.
* والإخوان لا يتحزبون مع فريق ضد فريق، وإنما يشاركون لتحقيق مصلحة للوطن أو رفع ظلم وتجاوز تمّ فى حقه.
يقول الإمام الشهيد : ” ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين يعملون لحساب هيئة من الهيئات أو يعتمدون على جماعة من الجماعات “([9]) .
* ومع هذا الاحتكاك والمشاركة العملية والتواصل الفردى والمؤسسى، يحرص الإخوان على عرض الدعوة العامة للإسلام ومنهجها للإصلاح كواجب عليها تجاه كافة المسلمين وأبناء هذا الوطن، ويكون هذا العرض من خلال الأسلوب العملى والحوار الهادئ والحب والاهتمام الذى يجب أن يكون عليه قلب الداعية، ومع هذا السمو الأخلاقى لا يسمح الداعية أن تهاجم أصول الإسلام دون أن يردّ، أو أن يُرتكب فى اللقاء ما يخالف إسلامه، كتناول البعض للخمر مثلاً .
نقاط حول هذا التعاون المشترك، نلفت النظر إليها :
أ) إن مستوى التعاون والتأييد يكون فى موقف من المواقف يتفق مع سياسة الجماعة، ومصلحة الوطن وفى هذا الإطار يكون التأييد الإيجابى من الجماعة مرتبطاً بهذا الموقف، أما التأييد على بياض لهيئة من الهيئات أو لأى تجمع، فليس بوارد فى فهم الإخوان وإذا حدث تزكية من الجماعة لهيئة من الهيئات، فيكون ذلك وفق ضوابط وأسس تتأكد فيها الجماعة عدم خروج هذه الهيئة على أصول الإسلام وغايته.
فقد ورد فى قرارات مجلس الشورى الثالث للجماعة عام 1353 هـ كما يذكر الإمام الشهيد: ” يجب على الإخوان المسلمين إذا أيدوا هيئة ما من الهيئات أن يستوثقوا أنها لا تتنكر لغايتهم فى وقت من الأوقات، .. والهيئات النافعة توجه إلى الغاية بتقويتها لا بإضعافها .. “([10]) .
ب) التعاون المشترك له درجات تبدأ بالتنسيق فى المواقف وبعض الأعمال، أو التعاون الفعلى فى نشاط معين، أو المشاركة فى تبنى قضية من القضايا، وقد تصل إلى التحالف فى مجال من المجالات .. الخ لكن تحديد هذه الدرجة ومدى المشاركة وحجمها وموقف الجماعة الفعلى لا يكون وفق رؤية فرد من الجماعة مهما بلغ شأنه، ولكن يكون بالمرجعية لمؤسسات الجماعة وقيادتها.
جـ) والجماعة ترحب بالمشاركة على قدم المساواة فى التعاون والتنسيق لإصلاح الأمة وعلاج مشاكلها، أما مجرد المشاركة ضمن منظومة الآخر لتحقيق أهدافه وغاياته المختلفة، أو أنه مفروض عليها أن تشارك فى كل الأمور حتى ولو خالفت سياستها، أو أن يكون ذلك على غير قدم المساواة، أو ينتج عن المشاركة مخالفة لأصول ومبادئ الدعوة فهذا ترفضه الجماعة، لأنه انتقاص من قدرها، وزحزحة لها عن خطها وأهدافها، وهذا حق لكل جماعة أن تضع ما يناسبها من ضوابط دون أن تتعرض للإقصاء أو التحزب ضدها.
د) والجماعة أيضاً مع حرصها على الإصلاح ومساعدة كل من يعمل له، لا تخدعها الشعارات أو المواقف الكاذبة، والدعايات المغرضة والأحداث المفتعلة بل تغوص وراء حقيقة الأمور وتزنها بميزان الشرع وتنظر للأمر من جميع جوانبه والتاريخ القريب ملئ بنماذج مختلفة تدل على ذلك.
فالجماعة برؤيتها وثقلها لا تجرى وراء كل صاحب شعار أو ناعق بأمر، أو تدور على هذا وذاك تستجدى التعاون والمشاركة ولكن بتعاملها مع الجميع ورؤيتها للواقع تستطيع أن تميز بين العمل الإيجابى وبين المغامرات وأصحاب الهوى.
هـ) ونقطة أخرى تمثل معوقاً فى سبيل التعاون المشترك نتيجة فقد الثقة أو التحزب والصراع الشديد بين الأطراف، فبعض القوى والكيانات تحوَّل خلافها مع الآخرين إلى صراع يطغى بمعناه المذموم على التعاون المشترك، وبالتالى يجعل هذه الرؤية الضيقة هى الحاكمة للتعاون الذى فيه مصلحة الوطن، فينظر بهذه الرؤية أن الأطراف الأخرى ستستفيد، وبالتالى يرفض هذه الاستفادة لها – رغم أنه أيضا سيستفيد – ولكن حرصه على منع ذلك عن الآخرين من واقع النظرة الضيقة، يجعله لا يستمر فى هذا التعاون ولو كان فيه مصلحة للوطن.
ففى الواقع الذى نعيشه نجد بعض الأحزاب أو القوى السياسية تتراجع عن التعاون المشترك بحجة أن هذا سيفيد الإخوان ويعطيهم بعض الشرعية فى نظرهم والبعض منهم يشترط أن يدفع الإخوان ثمناً أكبر نظير هذه الفائدة وان يحملوا الأمر برمته وتكاليفه، مما يؤدى أن يفهم بعض أفراد الجماعة نتيجة هذا الأسلوب أنهم يريدون توظيف الجماعة لحساب أجندتهم الخاصة ويدفعون ثمن ذلك أيضاً.
فى حين أن مبدأ الشرعية محسوم عند الإخوان فى منهجهم ولا يؤثر عليهم قبول النظام لهم أو وجود الغطاء القانونى من عدمه.
وأنه يجب على الأحزاب والقوى أن يحل بينها التفاهم والتعاون فى المساحة والقضايا المشتركة بدلاً من الصراع والتنافس، وأن المنهج الإقصائى ليس فى مصلحة الوطن او حتى فى مصلحة هذه القوى الوطنية، وأن الاستفادة المتبادلة لجميع القوى، كلها تصب لصالح العمل المشترك، وأن تعلو مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية للأحزاب والقوى الأخرى، وأن يحترم كل فصيل رؤية الآخرين ومنهجهم واستراتيجيتهم الخاصة . وضعف الثقة هذا علاجه يكون فى زيادة مساحة التعاون والمشاركة وفى الوضوح والشفافية.
و) والجماعة فى رؤيتها ورصدها من خلال تجاربها لهذه الممارسات، إلا أنها لا تيأس من منهجية التعاون والتواصل مع الآخرين، لأن هذا يشكل عندها استراتيجية ومبدأ ثابتاً – ينبثق من منهج الجماعة ورؤيتها فى الإصلاح وعدم الاحتكار أو الانفراد، وإذا تخلف عنها أحد أو رفض التعاون،فستمضى هى فى طريقها مع أيديها الممدودة، وصدرها المتسع،إلى أن يوجد من يقبل أن يمد يده لها ليلتقى معها، ولكنها لن توقف حركتها ودعوتها وأداء الواجب عليها.
إن الحوار والتفاهم الذى يناقش كل الجوانب بصراحة وشفافية دون توتر أو إخفاء نية ما، يعالج به هذا الأمر ويمنع هذه الرؤية المفرِّقة.
س) والإمام البنا يستثنى من التعاون المشترك مع الجماعة، فئة محدودة، تخالف أصل الدعوة، لكنه لا يلزم الآخرين بذلك، وهم:
1- الملاحدة من المسلمين الذين يتحركون كتيار وكيان يدعو إلى الإلحاد أو الذين يعملون لتشويه عقيدة الإسلام مثل البهائية والقاديانية.
يقول الإمام الشهيد : ” فذكروا أنفسكم أيها الإخوان دائماً بأن ملاحدة المسلمين فى مقدمة خصومكم وأن على رؤسهم قسطاً كبيراً من تبعة ما يقع الآن فى مختلف بلاد الإسلام.
ومن الواجب أن نحول دون تفشى أفكارهم الموبوءة بيننا، وأن نضرب على يد من يريد أن يحسن الظن بأعدائنا.. “([11]) .
ويقول ” وهم – أى الإخوان – يناوئون كل هيئة تشوه معنى الإسلام مثل البهائية والقاديانية ..” ([12]) ، وكذلك ما يعرف بالهيئات التبشيرية .
2- وكذلك الأعداء الذين يستهدفون الوطن وأمنه، او الذين يرتبطون بوضوح بهؤلاء الأعداء ويحسنون الظن بهم مثل الكيان الصهيونى الغاصب وعملائه.
3- وأضيف لهؤلاء لنفس السبب، الذين يستهدفون أمن المجتمع أو يكفرونه او يسفكون دماء أهله خروجاً على مبادئ الإسلام وأحكامه.
ص) والهيئات التى تختلف مع الدعوة ومبادئها فى التصور أو الوسائل والأساليب أو تعارضها فى مجال الدعوة والعمل، أو يتبنون الأفكار الغربية التى ترى الجماعة أنها ليست فى صالح الوطن.
يوجه الإمام البنا الإخوان إلى منهج التعامل معهم، بتوجيه النصح لهم والإرشاد لعلهم يرجعون، وتواجه الجماعة الفكرة بالفكرة، والدعوة بالدعوة، لا تسارع فى تكفيرهم أو تنادى باستئصالهم أو تعين ظالماً عليهم، فليس هذا أسلوب الدعوة.
ولا تتهم الأشخاص بالظنة ولا تلقى بأوصاف التآمر والعداء لكل من خالفها أو هاجمها وإنما تأخذ الناس بالظاهر وحسب أقوالهم وأعمالهم وأن يكون ميزان الشرع وضوابطه هو الأساس، وألا تهبط إلى مستوى الإسفاف حتى وإن لجؤوا هم إليه، وأن تترك ذوات الأشخاص والحكم عليهم.
ع) وعن موقف الهيئات الأخرى من الإخوان، يقول الإمام الشهيد: ” وستسمعون أن هيئة من الهيئات تتحدث عنكم، فإن كان الحديث خيراً، فاشكروا لها فى أنفسكم ولا يخدعنكم ذلك عن حقيقتكم، وإن كان غير ذلك فالتمسوا لها المعاذير،وانتظروا حتى يكشف الزمن الحقائق،ولا تقابلوا هذا الذنب بمثله، ولا يشغلنكم الرد عليه عن الجد فيما أخذتم أنفسكم بسبيله”([13])،فالذين يتوجهون بالاتهامات الظالمة ويسيئون للدعوة فإننا نقول لهم:”اتقوا الله أيها الناس ولا تقولوا ما لا تعلمون .. ” ([14]) .
ونوضح الحقيقة إذا اقتضى الأمر دون الدخول فى خصومة وجدال، لا نهاجمهم أو نشغل أنفسنا بذلك: ” ونحن لا نهاجمهم لأننا فى حاجة إلى الجهد الذى يبذل فى الخصومة”([15]). وسمى الإمام تضييع الجهد فى المصادمة معهم بـ “الكفاح السلبى” .
ونبتعد تماماً عن التجريح الشخصى للهيئات أو الأفراد مهما بلغت درجة الخلاف معهم وهذا الصنف من الهيئات والأفراد إن تجاوزوا معنا فى الحوار، فإن سبيلنا معهم : أن ندعوهم إن قبلو النداء، ونحاورهم دون الجدال، ولا نتهم إخلاصهم ولا نرد على خصومتهم، ولا نترك منهج دعوتنا ندعو الله لنا ولهم بالهداية.
ويقول الإمام أيضاً فى مذكرات الدعوة والداعية : “..وأنا لا أعلم قاعدة أفادتنى كثيراً فى سير الدعوة والعمل وهى أن الإشاعة والأكاذيب لا يقضى عليها بالرد ولا بإشاعة مثلها، ولكن يقضى عليها بعمل إيجابى نافع يستلفت الأنظار ويستنطق الألسنة بالقول فتحل الإشاعة الجديدة وهى حق مكان الإشاعة القديمة وهى باطل”([16]).
ل) أما موقف الإخوان من الهيئات جميعاً فيلخصه الإمام فى هذا الموقف الابتدائى: “.. يجب أن يكون من موقفنا أمام الهيئات جميعاً: نريد لها الخير، ونلتمس لها العذر، ولا نطلب، ولا نرد،ولا تقولوا لمن ألقى السلام لست مؤمناً..”([17]).
” بل إنه ليسرنا أن يوفق كل عامل للخير وإلى الخير، ولا يحب الإخوان أن يخلطوا البناء بهدم وفى ميدان الجهاد متسع للجميع”([18]) .
موقف الجماعة من الهيئات العاملة للإسلام على اختلاف أنواعها:
يقول الإمام الشهيد فى رسالة المؤتمر السادس:” .. وأما موقفنا من الهيئات الإسلامية جميعاً على اختلاف نزعاتها، فموقف حب وإخاء، وتعاون وولاء، نحبها ونعاونها، ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر ونوفق بين مختلف الفكر توفيقاً ينتصر به الحق فى ظل التعاون والحب، ولا يباعد بيننا وبينها رأى فقهى أو خلاف مذهبى، فدين الله يسر ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه .. ” .
” ونعتقد أنه سيأتى اليوم الذى تزول فيه الأسماء والألقاب، والفوارق الشكلية، والحواجز النظرية، وتحل محلها وحدة عملية تجمع صفوف الكتيبة المحمدية حيث لا يكون هناك إلا إخوان مسلمون .. للدين عاملون .. وفى سبيل الله مجاهدون “([19]) .
” وإن الوقت الذى ستظهر فيه الجماعات الإسلامية كلها جبهة موحدة غير بعيد على ما أعتقد .. والزمن كفيل بتحقيق ذلك إن شاء الله “([20]) .
” فلنترك للزمن أداء مهمته وإصدار حكمه، وهو خير كفيل بالصقل والتمييز”([21]) .
وبهذا يحدد الإمام الشهيد منهج التعامل مع الهيئات والأفراد التى تعمل للإسلام أو لصالح الوطن فى جانب من الجوانب، وتختلف مع الجماعة فى الفروع، لكنها لا تخرج على أصول الشرع ومبادئه الأساسية، ويشمل هذا المنهج الآتى:
- الحب والإخاء والتعاون فيما فيه صالح الدعوة والمجتمع.
- نحاول جاهدين أن نقرب ونوفق بين وجهات النظر دون اعتساف، فى ظل التعاون والحب.
- ألا يباعد بيننا وبينها فى الجانب العملى رأى فقهى – فى فروع الدين – أو خلاف مذهبى إذا أصرّ طرف على رأيه.
- أن نتحرى الحق فى أسلوب لين فى مناقشاتنا معهم والرد على تساؤلاتهم.
- ان نحرص على التنسيق بين مختلف الجهود فى مجال الدعوة وأعمال البر والإصلاح حتى لا تاتى متضاربة تعاكس بعضها بعضاً.
- يرقى الإخوان إلى خطوة أكبر من مجرد التنسيق إذا اكتملت لها أركانها إلى التعاون والتكامل والتوظيف للطاقات وهذا التوظيف يأتى من خلال المعايشة والتفاهم وعلاقات الودّ ويأتى من خلال الاقتناع والتوجيه لكل عناصر الخير فى المجتمع ما دامت هذه المجموعات أو هؤلاء الأفراد فى إطار العمل للإسلام بوسائله المشروعة.
- ان تصبر الجماعة وأن تدع للزمن وأحداثه الوقت حتى يأتى اليوم الذى يتبين للجميع فيه صواب المنهج والطريق، ويأتى اليوم الذى تزول فيه الفوارق الشكلية، والحواجز النظرية ليحل محلها الوحدة العملية تحت راية “الإخوان المسلمين”.
- وهى فى ذات الوقت على وعى كامل من الاستدراج الذى يقوم به أعداء الإسلام لبعض هذه التجمعات، لضرب الجماعات العاملة للإسلام بعضها ببعض، وتبذل جهدها لتفوت ذلك المخطط.
- ومع هذا التعاون والتنسيق يجب أن يكون واضحاً تميز منهاج الدعوة واستقلالها الكامل وعدم ذوبانها.
- يقول الإمام الشهيد موضحاً هذا الجانب: ” يجب أن يكون واضحاً أن الإخوان المسلمين متمسكون بدعوتهم، قائمين عليها لا يعملون لدعوة غير دعوتهم ولا منهاج غير منهاجهم ..” ” .. ولا يصطبغون بلون غير الإسلام” ” ومعاذ الله أن نكون فى يوم من الأيام لغير دعوة القرآن وتعاليم الإسلام”([22])، ” على أن التجارب فى الماضى والحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا فى طريقكم ولا إنتاج إلا مع خطتكم ولا صواب إلا فيما تعملون..”([23])، “.. أيها الإخوان لا تستعجلون، فلا يزال الوقت أمامكم فسيحاً .. “([24]).
موقف الجماعة من الأنشطة المنافسة لأنشطتها:
يوضح المرشد العام الأستاذ: مصطفى مشهور فى رسالة الرؤية الواضحة هذا الأمر فيقول: “وقد تُدفع هيئات لعمل أنشطة مشابهة أو بديلة لأنشطة الدعوة تحت رايات مختلفة بهدف صرف الناس عن الدعوة ومنافستها، وهذه الأنشطة نوعان:
أولهما: منافسة محمودة بأنشطة بديلة مفيدة ومطلوبة، حتى وإن كانت نيتهم فيها منافستنا وتحجيم دورنا، فلا بأس من المشاركة، فيها مثل صلاة العيد ومشروعات التكافل وغيرها (وحجم المشاركة لا يكون على حساب تواجدنا وتفعيلنا للأنشطة المشابهة الخاصة بالجماعة والدعوة).
وثانيهما: أعمال تصرف الناس عن أنشطتنا دون أن يكن فيها نفع لشعبنا، مثل بعض الأسر الطلابية، والاتحادات المعينة .. وغيرها فى محاولة لطمس الهوية الإسلامية .. وهذه يجب مقاطعتها، وصرف الناس عنها بالحكمة والموعظة الحسنة”([25]). مع الوضع فى الاعتبار وجود مخطط الأزاحة والإحلال ، والذى يجب أن تواجهه الجماعة بالحكمة والمزيد من التواجد والتجذر المجتمعى والأنشطة العملية المفيدة .
موقف أفراد الجماعة فى التعامل مع الناس:
وأفراد الإخوان يعتمدون موازين الإسلام وأحكامه فى التعامل مع الناس بكل انواعهم، مع حسن الفقه، والحكمة فى التطبيق يقول الإمام الشهيد – مشيراً إلى الميزان الذى يتعامل به الأخ مع الآخرين: ” والناس عند الأخ الصادق ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد أو مسلم آثم أو ذمى معاهد أو محايد أو محارب”.
ولكل حكمه فى ميزان الإسلام، وفى حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات ويكون الولاء أو العداء”([26]) .
ومع هذه المرجعية لأحكام الإسلام وموازينه فى رؤية الأخ فىتعامله مع الناس، إلا أنه لا يجعل من نفسه قاضياً وحكماً على أشخاصهم، إنما هو فقط ينظر للظاهر من سلوكهم ومواقفهم ليحدد ميزان التعامل معهم، كما أن ميزان الحب والكره فى الله يقوم على أنه يكره الفعل والخطأ بصرف النظر عن ذات الشخص، ومع هذا التحديد فهناك درجة أعلى، حيث عليه التعامل مع هذه الطوائف من منطلق الدعوة كلٌ حسب ما يناسبه.
ويستلزم هذا من كل أخ أن يتحلى بآداب الدعوة والداعية من :
حسن الاستماع للآخرين، وحسن الرد والتحاور معهم، وكظم الغيظ وسعة الصدر، والدفع بالتى هى أحسن، وعدم رد الإساءة بمثلها (وهذا فى غير طائفة المحاربين للوطن) والتجاوز عن الهفوات، والحرص على المساحة المشتركة من التفاهم، وعدم جعل الخلاف والاختلاف هو قاعدة التعامل، وعدم تقديم إساءة الظن، مع دقة الوعى والبصيرة بمجريات الأمور وطبائع الأشخاص ( لستُ بالخبِّ .. ولا الخبِّ يخدعنى، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب) والتعاون فيما نتفق عليه والتزام آداب وأخلاق الإسلام السامية العالية فى الأقوال والأعمال عند التعامل معهم ، وعدم التعالى عليهم.. الخ كل ذلك مطلوب مع عدم التفريط فى القواعد والمبادئ الخاصة بالدعوة أو التراجع عنها أو التحلل منها، وعدم اهتزاز الولاء لديه لدعوته وجماعته أو ضعف التجرد عنده أو تحول المرجعية لديه إلى جهة أخرى مشاركة أو لرأيه وشخصه دون قيادته وجماعته.
كما يجب أن نكون صادقين أمناء عند كلمتنا نفى بالوعد، ونتحلى بلين الجانب فنكسب القلوب ونحوز الاحترام ونبلغ أسمى دعوتنا بأبلغ بيان وأحسنه ونكون قدوة عملية لما يجب أن يكون عليه المسلم.
موقف عموم الناس من الدعوة :
يقول الإمام الشهيد: “والناس عندما تبلغهم دعوة الإخوان يكونون أحد أربعة أصناف: مؤمن – متردد – نفعى – متحامل .. ” .
– مؤمن: إما شخص آمن بدعوتنا وصدق بقولنا وأعجب بمبادئنا ورأى فيها خيراً اطمأنت إليه نفسه وسكن له فؤاده.
* فهذا ندعوه أن يبادر بالانضمام إلينا والعمل معنا.
– متردد: وهذا شخص لم يستبن له وجه الحق ولم يتعرف فى قولنا معنى الإخلاص والفائدة فهو متوقف متردد .
* فهذا نتركه لتردده ونوصيه بان يتصل بنا عن كثب ويقرأ عنا من بعيد أو من قريب، ويتعرف إلى إخواننا فسيطمئن بعد ذلك إن شاء الله.
– نفعى : وهذا شخص لا يريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة وما يجره هذا البذل له من مغنم.
* فنقول له: حنانيك .. ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت، فإن كشف الله الغشاوة عن قلبه وأزاح كابوس الطمع من فؤاده فسيعلم أن ما عند الله خير وأبقى وسينضم إلى كتيبة الله، وإن كانت الأخرى فالله غنى عمن لا يرى لله الحق الأول فى نفسه، وحاله، ودنياه، وآخرته وموته وحياته.
– متحامل: وهذا شخص ساء فينا ظنه وأحاطت بنا شكوكه وريبه فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم.
* فهذا : ندعو الله لنا وله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه..ندعوه إن قبل الدعاء ونناديه إن أجاب النداء وندعو الله فيه وهو سبحانه أصل الرجاء .. وإنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه المصطفى r من قبل: اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون ([27]) .
موقف الدعوة من أصحاب التحامل والاتهامات للدعوة :
وحول الموقف من هذه الألوان من الناس ينطبق عليها القواعد العامة السابقة التى أشرنا إليها، فنرد عليهم ونوضح إن قبلوا النداء، ولا ندخل فى حوار أو جدال، ولا ننشغل برد الاتهامات، ولا نرد بنفس الأسلوب أو ندخل معهم فى خصومة، فهذا كفاح سلبى.
ويوضح باختصار الإمام الشهيد انه ليس لنا مع هؤلاء المتحاملين من جواب إلا أن نقول لهم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين.
وقد صنف الإمام الشهيد هذا الصنف من الناس إلى أنواع خمسة أو ستة:
- شخص متهكم مستهتر لا يعنيه إلا أمر نفسه وإلا أن يهزأ بالجماعات والدعوات والمبادئ والمصلحين.
- أو شخص غافل عن نفسه وعن الناس جميعالا غاية ولا وسيلة ولا فكرة ولا عقيدة،إلا ترديد ما يسمع من اتهامات.
- او شخص مغرم بتشقيق الكلام وتنميق الجمل، ليقول السامعون: إنه عالم ليظن الناس أنه على شيء، وهو يعلم كذب نفسه وإنما يتخذها ستاراً يغطى به قصوره وأنانيته.
- وإما شخص يحاول تعجيز من يدعوه ليتخذ من عجزه عن الإجابة عذراً للقعود وسبباً للانصراف.
- وكذلك يضاف لهذه الأصناف:الذين يهاجمون الدعوة لقاء ثمن بخس من متاع الدنيا ويتقربون بهذا الهجوم إلى ذوى السلطان والنفوذ،أو يكون مصدر تحاملهم خصومة خاصة وعداء مسبق،وليس لنا مع هذه الأصناف إلا أن نقول لهم:سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين.
- وهناك صنف آخر من الناس قليل بعدده يسأل إذا دعوته إلى المشاركة بغيرة وإخلاص،إنه غيور تملأ الغيرة قلبه، عامل يودّ لو علم طريقة العمل..هذا الصنف هو الحلقة المفقودة والضالة المنشودة،وإنا على ثقة إن وقع فى أذنه النداء لن يكون إلا أحد رجلين:إما عامل مع المجدين وإما عاطف من المحبين..فهو إن لم يكن للفكرة فلن يكون عليها.
فعليهم أن يجربوا ولا يتواكلوا، ويندمجوا .. فإن وجدوا صالحاً شجعوه، وإن وجدوا معوجاً أقاموه، ولا تكن تجربتهم حائلاً بينهم وبين التقدم أ.هـ([28]) .
ويقول الإمام الشهيد عن قاعدة عامة وتجربة من تجارب الواقع، فى شأن هذه الأصناف المختلفة:” ورأينا منهم ضروباً وألواناً وأصنافاً وأشكالاً جعلت النفس لا تركن إليهم ولا تعتمد فى شأن من الشئون مهما كان صغيراً عليهم “([29]) .
كما يذكر فى مذكرات الدعوة والداعية ما نصحه به الشيخ محسن العرفى بشأن تزكية الأفراد وإدخالهم الجماعة بأن يحذر الشيخ غير الملتزم،فإن صلاحه لنفسه وعدم التزامه وانضباطه يضرّ الصف،لكن يستفيد بهم خارج الصف .
حول الفرد المدعو واهتمام الجماعة به:
نشير فى هذا الأمر إلى نقطتين:
أ) بالنسبة لموقف الأفراد، فهناك مساحة من الأفراد تحت شريحة المترددين والمتعاطفين مع الفكرة، فمنهم من أحب الفكرة لكن متردد فى الالتزام التنظيمى بالجماعة، ومنهم من يعتبر نفسه منها لكن دون ارتباط حركى أو استيعاب محدد فى أوعيتها، وبالتالى يعتبرون مع مرحلة المحب المتعاطف.
وأياً كان السبب وراء هذا التردد وهذا الموقف، فقد خاطبهم افمام الشهيد بمزيد من التقارب العملى إلى أن يصلوا إلى قناعة كاملة بالقيادة وبالمنهج والطريق، ويكون منهم خطوة الارتباط التنظيمى بعد ذلك.
وهذه الشريحة رغم عدم ارتباطها التنظيمى بما يترتب عليه من حقوق وواجبات إلا أن الجماعة تحرص على استمرار تواصلها معهم ووصول مواقفها وتوضيح جانب الدعوة لهم، والاستماع لآرائهم ونصائحهم، والردّ على تساؤلاتهم دون إلزام لهم بسمع وطاعة، ودون افتئات منهم أو تدخل فى تنظيم الجماعة وآليات عملها، وليس هذا التصنيف للأفراد يكون وفق رؤية فرد إنما هى الضوابط التى تضعها مؤسسات الجماعة وتعتمدها قيادتها فى شروط الالتزام والاستيعاب،وكذلك بناء على موقف هؤلاء الأفراد العملى من الارتباط التنظيمى بالجماعة وقيادتها رغبة وطواعية .
ب) ان الجماعة تحمل الحب والتقدير لكل فرد كان معها فترة من الزمن فى مجال الحركة والدعوة، ثم فارقها لسبب من الأسباب وتدعو له بالتوفيق والسداد وتكون على علاقة حسنة به، وتتواصل معه بالأسلوب الذى يقبله، ولا يشكل عبئاً أو إعاقة لمسار الدعوة.
وهذا غير الذى خرج عنها وتبنى موقفاً مخالفاً لأصول الدعوة ومبادئها الثابتة كأن انتهج منهج العنف يستحل به الدماء، أو أخذ فى الهجوم على الجماعة وقيادتها والتشهير بها .. فهذا لا تشغل الجماعة نفسها به ولا تنزل لمستوى الرد على شخصه، وإذا كان ما يثيره يحدث شبهة من الشبهات حول مبادئ الجماعة، تركت هى للأفراد الرد عليه وفق آداب الإسلام فى الرد او أوضحت هى حقيقة مبادئها دون التعرض لشخص هذا المهاجم.
وهذا الخلق السامى فى التعامل مع الأفراد من خارجها ومع المخالفين لها، والمتقولين عليها، يمثل جزءاً أساسياً من مبادئ الدعوة ومنهاجها ملازم لها مهما حدث أو تعرضت لحملات الهجوم.
ونذكر هنا موقفاً عملياً للإمام الشهيد حيث فارق الجماعة وقتها أحد الأشخاص من ذوى الوجاهة فى جنوب الصعيد، وعندما مات قريب له، توجه الإمام سريعاً لأداء واجب العزاء له (رغم غضب هذا الشخص ومفارقته للجماعة) وعندما كانت الحشود الكثيرة من الجمهور مجتمعة طلب منه بعض الحضور أن يلقى كلمة ليستفيد من هذا الحشد وذلك الموقف فى نشر الدعوة فأجاب فضيلته لقد جئت معزياً ولم آت داعياً .
موقف الدعوة من شعوب العالم الغربى :
يفرّق الإمام الشهيد فى الموقف والتعامل بين شعوب العالم الغربى، وبين الحكومات الغربية التى تتخذ موقفاً معادياً للإسلام وشعوبه وكذلك ما ارتبط بها من منظمات تدور فى فلكها وتخدم أغراضها.
فبالنسبة للشعوب نادى الإمام الشهيد بالتعاون ونشر السلام العالمى على أسس العدل والحق، وتوضيح دعوة الإسلام، والرد على حملات التشويه ضده.
وعلاقة الأمة الإسلامية مع غيرها من الدول تقوم على هذه الأسس:
1- الدعوة أى دعوتهم إلى الإسلام .
2- التعاون لخير الإنسانية .
3- المعاملة بالمثل .
ويشير الإمام الشهيد إلى ذلك فيقول : ” وقوم ليسوا كذلك، لم نرتبط معهم بعد بهذا الرباط ( أى رباط العقيدة والوطن) فهؤلاء نسالمهم ما سالمونا، ونحب لهم الخير ما كفوا عدوانهم عنا، ونعتقد أنه بيننا وبينهم رابطة، وهى رابطة الدعوة، علينا أن ندعوهم إلى ما نحن عليه، لأنه خير الإنسانية كلها، وأن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدده لها الدين نفسه من سبل ووسائل، فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل مايُردّ به عدوان المعتدين”([30]).
ويقول : ” وأما العالمية والإنسانية فهى هدفنا الأسمى، وغايتنا العظمى، وختام الحلقات فى سلسة الإصلاح”، ” إن الإخوان يريدون الخير للعالم كله “([31])، ” نريد السلام للعالم كله”([32]).
ويقول أيضاً : “نحب الخير ونتعاون مع الغير”([33]).
” فمن دعوتكم أيها الأخوة الأحبة أن تساهموا فى السلام العالمى وفى بناء الحياة الجديدة للناس بإظهارهم على محاسن دينكم وتجلية مبادئه وتعالميه لهم وتقديمها”([34])، ” وأن نقيم فى هذا البناء الإنسانى لبنة “([35]).
كما يشير فضيلته إلى أن تطور الشعوب والزمن سوف يؤدى إلى التمهيد لهذه الفكرة العالمية: ” كل ذلك ممهد لسيادة الفكرة العالمية وحلولها محل الفكرة الشعوبية القومية ” أ.هـ
هل التيارات المتعارضة مع الدعوة وأهدافها تمثل مشروعاً معادياً:
التيارات والكيانات سواء كانت رموزاً وشخصيات لها تأثير، أو كيانات وتجمعات تحمل فكراً أو مشروعاً معارضاً لمشروع الدعوة، وكانت ضمن إطار الوطن أو الأمة الإسلامية، فهل تعتبر بأسلوبها وخصومتها مع الدعوة مشروعاً معادياً؟! إن الجماعة لا تنظر بهذا المنظار إليهم لأن مرجعيتها هى قواعد الإسلام ومبادئه وليس رؤيتها الشخصية فهى تعدها فى مساحة الاختلاف والاجتهاد البشرى القائم فى المجتمع، وبذلك مهما بلغ معارضتها للدعوة فتعتبر فى رؤية الجماعة اتجاهاً منافساً وليس عدواً، فالمشروع المعادى هو المشروع الغربى – الأمريكى – الصهيونى بامتداداته وينبغى مواجهته والقضاء عليه تماماً، أما المشاريع والكيانات والتيارات الإسلامية الأخرى مثل المشروع الشيعى،أو الاتجاهات الفكرية لبعض التيارات والرموز الإسلامية، فهى تجمعها دائرة الأمة الإسلامية العامة، وتجمعها قبلة واحدة ورسالة واحدة وإن اختلفت بعد ذلك فى باقى الأمور،أو حاولت مزاحمة الجماعة،والتضييق عليها،وبهذا تضع الجماعة قواعد للتعامل معه انطلاقاً من هذه الرؤية:
- أنه ليس عدواً نسعى للقضاء عليه، بل تشمله دائرة الأمة الإسلامية .
- أن توجه إليهم النصح والإرشاد بالطريقة المناسبة وأن يكون التنافس فى التسابق فى عمل الخير ولصالح الأمة وليس بالصراع فيما بيننا.
- ألا نرد على شتائمه أو محاولات هجومه، وألا نستدرك إلى معارك معه .
- أن نسعى بأسلوب هادئ حكيم إلى إقناعه بأن يوظف طاقته إلى ميدان الإصلاح والدعوة، ففيه متسع للجميع بدلاً من الحرب والتنافس، ومضايقة كل فصيل للآخر.
- أن ندعوهم أن يحلّ مكان هذا التنافس والاستفزاز من طرفهم، التعاون فى المساحة المشتركة لصالح الإسلام والمجتمع.
- أن نستفيد من جوانب الخير التى لابد أن تكون موجودة عندهم ونحسن توظيفها والاستفادة العامة منها فى تحقيق إصلاح الأمة والمجتمع .
- ألا نفقد الأمل ولو بعد طول الزمن فى تحقيق الوحدة والتوافق على الفهم الشامل والتعاون الصحيح، وأن ندعو الله لنا ولهم.
أما المشروع الغربى المعادى، فلا يمكن أن تلتقى أهدافه وغاياته مع أهداف الإسلام ورسالته، ولابد فى خطة الجماعة من مواجهته ولو بصورة متدرجة أو على مراحل حسب إمكانياتها وقدرتها على إيقاظ وحشد الأمة، ولا يمكن للدعوة أن تلتقى معه فى منتصف الطريق بل تسعى للقضاء على خطره وآثاره السلبية على الأمة الإسلامية.
أما التيارات والرموز والكيانات الأخرى العاملة فى مجال الدعوة للإسلام حسب تصورها وفهمها وهى محايدة فى علاقتها بالدعوة والجماعة، فإننا نرحب بها وبوجودها ونتعاون معها إذا قبلت ذلك دون محاولة لإلغاء كيانها أو تذويبها ونترك للزمن دوره فى اقتناعها بمنهج العمل الشامل لكل جوانب الإسلام.
هذا والله أعلم وهو الهادى إلى سواء السبيل ؛