مقدمة
إن المشروع الإسلامي الذي أحياه وجدده الإمام الشهيد، مازال مستمرا وسيظل بإذن الله ليحقق أمل الأمة الإسلامية ويواجه التحدي العالمي ، بقدم ثابتة ورؤية متكاملة .
ونحتاج أحيانا إلى إلقاء بعض الضوء على جوانب ومجالات جاهد فيها الإمام الشهيد، ووضع لها مسارات واستراتيجيات ؛ وذلك لنتعرف بدرجة أكبر على أبعاد المشروع الإسلامي ، وعلى وسائل وميادين العمل الدعوي ، وعلى جوانب مـن الإنجاز العملي تجاه قضايا وأحداث هامة.
وهذه الدراسة الموجزة لا تعني أنها قد ألمت وأحاطت بكل الحقائق والأبعاد ، ولكنها مجرد إلقاء لضوء بسيط ، وسيبقى الأمر في حاجة إلى مزيد من إلقاء الضوء ، وكشف جميع الحقائق والأعمال ؛ أداءً لأمانة الدعوة في حقها علينا وحق الأجيال القادمة في معرفة تاريخها .
وهو يدخل ضمن سلسلة :
” المفاهيم الإسلامية في مجال الدعوة “
والله الموفق وهو الهادي لسواء السبيل .
عندما بدأ الإمام البنا دعوته وأسس المشروع الإسلامى الشامل للإصلاح الكلى وتحقيق الغاية الكبرى لنهضة الأمة الإسلامية وإعلاء كلمة الله فى الأرض، لم يكن يستهدف فقط الاقتصار على الإصلاح الجزئى بل إصلاح كلى شامل وفى نفس الوقت لم يهمل هذا الجانب بل اعتبره جزءاً من برنامج الإصلاح والرقى بالأمة.
وكان المجتمع المصرى فى تلك الآونة يمر بأزمة شديدة وهو يخضع للاحتلال الأجنبى والفساد والانهيار فى أغلب جوانبه، ومصادر للخطر تهدد أسس المجتمع وقتها.
وفى مواجهة ذلك ولتحقيق خطوات عملية للمرتبة الثانية والثالثة من مراتب العمل (إرشاد المجتمع وصبغ مظاهر الحياة العامة بقيم ومبادئ الإسلام – وتحرير الوطن وتخليصه من كل سلطان أجنبى سياسى أو اقتصادى أو روحى).
المنهجية العملية :
وضع الإمام البنا رحمه الله منهجية عملية لهذا الأمر:
أ – حدد مصادر الخطر على الأمة والمجتمع، وكيفية مواجهتها .. فكان هناك نماذج لهذه الأخطار قصيرة المدى سريعة الانتشار نجح الإمام فى مواجهتها والتعاون مع الآخرين فى منعها مثل خطر التبشير والتنصير، وانتشار البغاء بشرعية القانون له وعدم تجريمه ومنعه، وفى مواجهة الكوارث كان الإخوان فى المقدمة بدورهم الفعال: مثل مواجهة وباء الكوليرا، وهناك أخطار استلزمت مشروعاً طويلاً متكاملاً للقضاء عليها، ومثال ذلك الاحتلال الأجنبى وتوابعه المرتبطة به.
ب – الدفع بروح جديدة ودم جديد يسرى فى شباب الأمة فيحركها ويوقظها واستخدام الوسائل الجديدة فى تحقيق ذلك، واستيعاب طاقات الشباب وتوجيهها التوجيه الصحيح.
جـ- إحياء القلوب والرجوع إلى معين الإسلام الصافى، لإحداث التغيير فى أفراد المجتمع.
د – تقديم نماذج عملية فى الإصلاح يقتدى بها الآخرون.
هـ – تقديم تصورات ورؤية عميقة ومناسبة لإصلاح الخلل ( بعد معرفة الواقع ودراسة الداء وأسبابه)، طرحها على الأمة، وكذلك للحكام والوزراء للأخذ بها أو ببعضها واستمر فى ذلك مع أن استجابتهم كانت محدودة أو معدومة، راجع رسالة نحو النور للإمام البنا ورسالة مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى.
- كما حدد الإمام خصائص وضوابط العمل فى المشروع الإسلامى لإصلاح المجتمع، فذكر من أهمها :
- الصبغة الإسلامية العملية والخطاب المناسب، لطبيعة الإصلاح الذى تقوم به.
- إحياء الأمل فى الأمة، بعد إيقاظ الإيمان لديها.
- التمسك بروح الحب للمجتمع والحرص عليه ورغبة الخير له.
- إتباع الأسلوب المتدرج العملى الواقعى.
- أنها تضم كل المعانى الإصلاحية ولا تنحصر فى جانب دون آخر تستطيع العمل فيه .
- الاستعانة بكل الوسائل المتاحة، بل وابتكار الوسائل الأخرى المناسبة .
- مواجهة المعوقات والضغوط بالنضال الدستورى والكفاح السياسى والتزام ذلك كمنهجية فى العمل.
- رفض أسلوب العنف والإرهاب أو الجبر والإرغام.
- إتباع أسلوب الإصلاح الإيجابى الذى يقوم على البناء قبل الهدم .
- أن الجماعة فى منهجها الإصلاحى ليست بديلاً عن المجتمع، وليس فى تصورها أن تحتكر ذلك، بل تتعاون مع الأمة بكل مكوناتها وتسعى إلى تكوين مجموعات للإصلاح والعمل الإيجابى فى كل قطاعات الحياة والمجتمع.
- الابتعاد عن الأسلوب الحزبى فى العمل، وعدم الدخول فى صراعات جانبية أو تجريح الشخصيات والهيئات.
- أن يكون الجماعة وأفرادها قدوة عملية فى ذلك الإصلاح.
- كما أشار الإمام الشهيد إلى جانب مهم من الداء الذى أصاب المجتمع، وكان نتيجة لابتعاده عن تطبيق شرع الله وإقامة دولته، فيقول مشيراً إلى ذلك:
- فقدان الأخلاق
- فقدان المثل العليا.
- إيثار المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
- الجبن عن مواجهة الحقائق.
- الهروب من تبعات العلاج.
- الفرقة قاتلها الله.
هذا هو الداء،والدواء كلمة واحدة أيضاً،هى ضد هذه الأخلاق،هى علاج النفوس أيها الإخوان،وتقويم أخلاق الشعب { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا.وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [الشمس: 9،10] ([1]).
ولا يكون هذا إلا بالمنهج الإسلامى وبالأسلوب الذى أحيا به رسول الله r القلوب والمجتمعات.
كما أوضح أيضاً الإمام الشهيد منهج الدعوة (وهو منهج الإسلام) فى بناء المجتمع والمحافظة على سلامته وأن ذلك يقوم على أسس محددة منها:
- الوقاية من المشاكل وعوامل الهدم.
- استئصال الأمراض الاجتماعية من جذورها إذا حدثت فلكل مشكلة عنده لها دواء.
- جعل أساس الصلاح والدواء الأول فى كل علاج هو صلاح النفوس والتضامن الاجتماعى بين بنى الإنسان.
- أن يحيط كل ذلك بما يرفع الحرج ولا يؤدى إلى العنت.
- أن يضع القواعد الكلية ويدع الفرعيات الجزئية.
- يرسم طرائق التطبيق.
- يفرض نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والتطبيق السليم حتى تشمل الناس أجمعين”([2]).
وهذه نماذج من توجيهاته – رحمه الله- توضح ما سبق الإشارة إليه:
فيقول رحمه الله : “لا يحب الإخوان أن يخلطوا البناء بهدم، وفى ميدان الجهاد متسع للجميع”([3]) .
” نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا،وأنه حبيب إلى هذه القلوب أن تذهب فداءً لعزتهم إن كان فيها الفداء، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان فنحن نعمل للناس فى سبيل الله ” .
” فنادوا فى قومنا .. نحن لكم لا لغيركم، ولن نكون عليكم يوماً من الأيام” .
ويقول عن أسلوب الدعوة والداعية مع الناس : ” ونحمل الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب”([4]).
” ومراعاة الصبر والأناة والحكمة والموعظة فى ذلك”([5]).
” إن الناس يعيشون فى أكواخ من العقائد البالية، فلا تهدموا عليهم أكواخهم ولكن ابنوا لهم قصوراً من العقيدة السمحة وعليه سوف يهجرون هذه الأكواخ إلى هذه القصور”([6]) .
ويحذر الإمام من أن يشتد الدعاة على الناس وينفرونهم.. ” بل يشتد على نفسه أولاً ثم على مريديه الذين فهموا غايته ثم يترك الناس يقلدونهم بالاختلاط لا بالأمر والشدة”([7]).
” وإننا بحمد الله برآء من المطامع الشخصية بعيدون عن المنافع الذاتية ولا نقصد إلا وجه الله وخير الناس ولا نعمل إلا ابتغاء مرضاته “([8]) .
ويقول ” الإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر، حتى يفقهها الرأى العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان”([9]).
وعن أهمية الإيمان وأساس العمل فى المجتمع يقول:
” إيقاظ الإيمان فى قلوب الناس على كتاب الله ”
” أعتقد أن أهم الأغراض التى تجب على الأمة حيال القرآن الكريم ثلاثة مقاصد :
أولها: الإكثار من تلاوته والتعبد بقراءته والتقرب إلى الله تبارك وتعالى به، وثانيها: جعله مصدراً لأحكام الدين وشرائعه منه تؤخذ وتستنبط، وثالثها: جعله أساساً لأحكام الدنيا منه تستمد وعلى مواده الحكيمة تطبق”([10]) .
” الذى يريده الإخوان إصلاحاً شاملاً تتعاون عليه قوى الأمة جميعاً وتتجه نحوه الأمة جمعيا”([11]) .
” أصلحوا نفوسكم، وركزوا دعوتكم وقودوا الأمة إلى الخير” “وسنربى شعبنا ليكون منه الشعب المسلم، وسنكون من بين هذا الشعب المسلم”([12]) .
” ندعو إلى الإسلام، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه” ، “وإذا كانت هذه الأهداف جميعاً لا تتحقق إلا فى ظل الدولة الصالحة فكان لابد أن تطالبوا بحق الإسلام فى إقامة الحكومة التى ترتكز على أصوله وأحكامه وتعاليمه” أ.هـ
” علينا إفهام الناس أن السياسة والحرية والعزة من أوامر القرآن وأن حب الأوطان من الإيمان “([13]) .
” نريد النهوض بالرجل والمرأة جميعاً وإعلان التكامل والمساواة بينهما وتحديد مهمة كل منهما تحديداً دقيقاً “([14]).
“ونحن لهذا نعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل ونعنى بالطفولة عنايتنا بالشباب”([15]) .
ويقول عن الموقف من الهيئات الأخرى:
- ” وأما موقفنا من الهيئات الإسلامية جميعاً على اختلاف نزعاتها فموقف حب وإخاء وتعاون وولاء، نحبها ونعاونها ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر ونوفق بين مختلف الفكر توفيقاً ينتصر به الحق فى ظل التعاون والحب، ولا يباعد بيننا وبينها رأى فقهى أو خلاف مذهبى، فدين الله يسر ولن يشاد الدين أحدً إلا غلبه”([16]).
“نحن لا نهاجمهم لأننا فى حاجة إلى الجهد الذى يبذل فى الخصومة”([17]) .
” الإخوان يجيزون الخلاف ويكرهون التعصب للرأى ويحاولون الوصول إلى الحق ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب “([18]).
التربية العملية :
- ولم يكن تعامل الإمام الشهيد فى هذا الميدان مجرد تصور نظرى، وإنما حوله إلى واقع عملى فيما قدمته الجماعة وقامت به فى إصلاح المجتمع ومواجهة مشاكله، وكذلك فى منهجية تربية أفرادها وتدريبهم للعمل مع المجتمع وأداء الخدمة العامة للناس.
ومع تمايز مستويات ونوعيات الأفراد المنضمة أو المنتسبة للجماعة، إلا أن منهج التربية والتكوين كان حريصا على تعميق هذا الجانب المجتمعى، ويصبح توظيف الأفراد فيه كل حسب ظروفه واستعداده الشخصى مع اشتراك الجميع العمل فى هذا الميدان واعتباره جزءاً أساسياُ من دعوته وأهدافه العامة، وإصلاح الفرد هو نقطة البداية والانطلاق، فإذا راجعنا توجيهات الإمام
وواجبات الأخ العامل فى الجماعة نجدها تعده ليكون :
- ممتلئاً حباً وعاطفة تجاه المجتمع وأفراده.
- ان يكون على بصيرة ووعى بدوره الاجتماعى وأنه جزء من دعوته لابد أن يساهم فيه.
- وأن يكون لديه الإيجابية والذاتية فى الحركة فى هذا المجال.
- وأن يكون عظيم الهمة وواسع النشاط، مدرباً على الخدمة العامة .
- وأن يلم بالشئون الاجتماعية إلماما يمكنه من تصورها والحكم عليها حكماً يتفق مع مقتضيات الدعوة.
- أن يسارع إلى المساهمة فى الخدمة العامة وأعمال البر.
- أن يتأدب بآداب الإسلام وأخلاقه فيكون: عف اللسان – حسن المعاملة – أميناً – صادق الوعد والكلمة – كريماً – سمحاً يرفق بالإنسان – لا يتهم بالظنة – ويبتعد عن الغيبة والنميمة – قدوة فى معاملاته المالية والاجتماعية – يتقن مهنته وما يؤديه من عمل – عادلاً – صحيح الحكم – لا ينسيه الغضب الحسنات – ولا تحمله الخصومة على نسيان الجميل – يقول الحق ولو علىنفسه أو أقرب الناس إليه وإن كان مراً – يرحم الصغير ويوقر الكبير – لا يصخب – ثابتاً – مثابراً لا يخشى تضييقاً أو إرهاباً – متجرداً من المطامع والأهواء ومعانى العجب والغرور – وأن يتسع صدره للمخالفين – ويعرف كيف يتعامل ويتعاون معهم ([19]).
وقد أخرج لنا هذا المنهج نماذج مضيئة كان لها دورها فى المجتمع وفى تاريخ مصر.
وإن الأفراد الذين تهاونوا فى منهج التربية والتكوين وإصلاح نفوسهم، ما زالوا بحاجة إلى المراجعة والمزيد من الجهد لإصلاح نفوسهم وسلوكهم فالدعوة حجة على أى فرد ينتمى إليها وليس العكس.
يقول الإمام الشهيد : “كم فينا وليسن منا، وكم منا وليس فينا” وكذلك على القاعدين الذين لا يقومون بدورهم فى إصلاح المجتمع ونشر الدعوة فيه ، يكونون مضيعين لركن أساسى من مراتب العمل فاقدين للتكوين المتوازن .
نماذج من جهود الإخوان فى حل مشاكل المجتمع المصرى:
اهتم الإمام الشهيد بالمجتمع المصرى ومواجهة كل صور الظلم والجهل والفساد المتفشى فيه، وكانت سياحته فى قرى ونجوع مصر كلها عاملاً أساسياً فى تعرفه على هذا الواقع واختلاطه بكل هذه الطبقات وماذا تعانى .
وهذه نماذج مختصرة لميادين عمل الجماعة فى هذا الشأن تحت قيادة وتوجيه الإمام البنا:
فى مواجهة انتشار البغاء وحماية القانون وقتها له:
فمنذ نشأة الجماعة فى الإسماعيلية، بدأ هذا النشاط الإصلاحى الاجتماعى مبكراً هناك، وأنشأ داراً للتائبات من مهنة الدعارة، وأنشأ مشغلاً للفتيات ومعهداً لتعليمهن.
كما ساهم نشر الوعى الدينى وتقويته فى النفوس فى محاصرة هذا الخلل والتقليل منه، واستخدم الإخوان أيضاً الجانب القانونى، فضغطوا لإلغاء هذا القانون الذى يرخص لهم هذه المهنة، وذلك بالعمل من خلال المجالس المحلية وتقوية تيار شعبى يضغط فى هذا الاتجاه فاستجاب مثلاً مجلس محلى السويس بإلغاء البغاء فى دائرته بقراره يوم السبت 14 أبريل 1940 بناء على طلب الإخوان ورغبة سائر أهل المدينة.
وكذلك الضغط على الوزارة حتى صدر قرار الإلغاء النهائى لهذا القانون ثم كان العمل الاجتماعى لعلاج هذا الخلل وما يترتب عليه ومحاولة علاج أسبابه المؤدية إليه، وكذلك محاربة الفقر ومساعدة الفقراء ( من تشجيع الصدقات – ولجان جمع الزكاة وتوزيعها .. الخ)
وفى هذا المجال الأخير، قاوموا صور الفساد من الحفلات الماجنة والآداب المنحرفة وكانت صحافة الإخوان لها باع كبير فى ذلك.
- وفى المقابل قدمت نماذج من الأدب والفن الصحيح:
فشكلوا الفرق الفنية، وساهموا بقوة فى الحركة الثقافية، وقدموا أنواعاً متعددة من الأدب فى الزجل – الشعر – المسرح – القصة – النقد الأدبى والفنى .
ومن أمثلة الروايات التى مثلوها رواية “عاقبة الفساد” التى مثلها فرقة إخوان شعبة ششتا مركز زفتى غربية .
ورواية ” المروءة المقنعة” التى مثلها إخوان شعبة ميت غمر على مسرح كازينو حلوان.
كما تم بناء مسرح للتمثيل فى دار الإخوان بالمنيا وقدموا عدة مسرحات على مسرح الأوبرا الشهير، وخصصوا لجاناً تنشط فى هذا الجانب
- فى مواجهة خطر التبشير:
حيث ازداد نشاط المبشرين أى يقومون بالتنصير) والمؤسسات التابعة لهم، مستغلين حالة الفقر والجهل، مما أصبح يهدد أمن المجتمع ويحطم فى قيمه ودينه.
وكان للإخوان وقفة قوية وعملية أمام تلك الهجمة التبشيرية الشرسة على المجتمع المصرى وتمكنوا بفضل الله من القضاء عليها، وهذه نماذج من جهودهم فى هذا الشأن:
- رفعوا عريضة عام 1933 إلى الملك فؤاد يطالبون بالتدخل لحماية الشعب من التبشير.
- اقترحوا على الوزارة فرض الرقابة الشديدة على مدارس المبشرين ومعاهدهم .
- قيام صحافة الإخوان بفضح التجاوزات وأساليب المبشرين والضغط على جهات الإدارة لمنع هذه التجاوزات والمطالبة بإجراءات حاسمة.
- حملة توعية الشعب والأسر المستهدفة، والمسارعة إلى إنقاذ الطلبة والطالبات .
- الرد على المغالطات وتوضيح الشبهات.
- حملة مقاومة التبشير فى قطاع الصحة والملاجئ والمستوصفات.
- المطالبة بضرورة تدريس الدين الإسلامى فى جميع المدارس إلزاما .
- إنشاء العديد من المدارس الإسلامية (وبالتعاون مع أهل الخير)، لإيجاد البديل أمام الأهالى خاصة فى الصعيد.
وقد أسفر الضغط عن تأييد المؤتمر الطبى العربى الذى عقد عام 1938 (وحضره عدد من ا لزعماء فى المنطقة العربية) وتوصيته بإيقاف التجاوزات فى هذا الشأن داخل قطاع الصحة.
وكذلك أسفر عن التقدم بمشروع قانون بمنع التبشير وتجريمه، وقد صدر عام 1940م.
وفى مجال الخدمة الصحية التى كان الشعب يعانى من ضعفها:
وخاصة أصحاب الدخل المحدود، نشط الإخوان فى إنشاء المستوصفات الطبية وعمل القوافل الطبية التى جابت القرى والنجوع، وكذلك التصدى للأوبئة والأمراض المتوطنة.
وقامت المناطق والشعب المختلفة بافتتاح المستوصفات، فبلغ عدد التى فتحوها فقط فى القاهرة والجيزة 17 مستوصفاً بخلاف باقى المحافظات مثل مستوصف طنطا، ونجع حمادى وأسيوط والإسكندرية وغيرها من شعب الإخوان.
ونظراً لتطور العمل فى هذا المجال أنشأ الإخوان القسم الطبى فى 15 نوفمبر 1944، وخصصوا مكانًا فى المركز العام كمستوصف مؤقت، ثم انتقل إلى بناء ضخم بالحلمية الجديدة، وأنشئ به معملاً لتركيب الأدوية فى سبتمبر 1946 وبلغ عدد المرضى الذين عولجوا فيه فى سنة 1946 م فقط أكثر من 39 ألف مريض وارتفع الرقم فى سنة 1947 إلى أكثر من 51 ألف مريض.
وكان برئاسة د. محمد أحمد سليمان، وكان كذلك يعاون مصلحة الشئون القروية بوزارة الصحة كما أنشأوا بالعباسية فى أبريل 1948 مستشفى داخلى وعيادة خارجية.
ووصلت ميزانية القسم الطبى بالجماعة سنة 1948 إلى 23 ألف جنيه وقتها([20]) .
فى مجال استيعاب الشباب وتوجيه طاقته للنافع المفيد:
وكان من أبرز المسارات والأوعية التى أنشأها وطورها الإخوان، هى ما حققوه فى هذا المجال حتى تميزت الدعوة بسرعة انتشارها وشدة إقبال الشباب عليها.
أ- فتم إنشاء وتكوين عشرات من فرق الكشافة والجوالة لاستيعاب النشء ( صغير السن) وكذلك الشباب وحسن إعدادهم وتربيتهم .
ب- واهتموا بممارسة الرياضة والتشجيع عليها كمسار تربوى واستيعاب لطاقات الشباب وأنشأوا لذلك إدارة للفرق الرياضية يرأسها الأخ عبد الغنى عابدين فى مهمة مراقب عام الإدارة الرياضية بالمركز العام.
وكانت اللجنة الرياضية تشمل المجالات الرياضية الآتية:
الألعاب السويدية – المصارعة – حمل الأثقال – السباحة – كرة القدم –الملاكمة – السلة – ثم تم إضافة : الهوكى – التنس – تنس الطاولة –الجولف – الشيش – القفز – العدو .
جـ – تم استكمال هذه الفرق الرياضية على مستوى المناطق والشعب، وقسموا القطر إلى 10 مناطق رياضية تشرف على المسابقات الرياضية وإعداد الفرق المختلفة.
د- كما اجتهد الإخوان فى الشعب بإنشاء الأندية الرياضية التى تمارس أكثر من لعبة، فأصبح تقريباً فى كل شعبة نادى رياضى.
وكان كمثال : لشعب الإخوان حوالى 99 فريق كرة قدم.
وكان الموسم الرياضى لفرق الإخوان يبدأ فى أول نوفمبر وينتهى فى شهر مايو من العام التالى، مع ملاحظة استمرار الأنشطة والتدريب على مدار العام.
كما شاركت فرق الإخوان فى الأنشطة الرياضية بالاتحادات الرياضية العامة حتى أنه –كمثال – قرر مراقب منطقة وسط الدلتا للمعارف أن يكون نادى الإخوان بطنطا مقراً لنشاط المدرب العام للمنطقة.
كما اعتمد اتحاد الملاكمة العام أن يكون نادى الإخوان مقراً لمنطقة الغربية للملاكمة.
كما أقيمت الكثير من المباريات بين فرق الإخوان بالقاهرة والفرق العربية والمصرية الأخرى مثل النادى الأهلى، ونادى الطيران.
- فى مواجهة الكوارث والأزمات الكبرى:
كان الإخوان أول من يتحرك، وكانوا فى مقدمة الصفوف يواجهون الخطر ويرفعون المعاناة ومن أمثلة ذلك:
أ- عندما انتشر وباء الملاريا فى صعيد مصر ، جند الإخوان جميع أفراد جولاتها فى هذه المناطق لمواجهة هذا الخطر فعملوا جنباً إلى جنب مع موظفى الصحة والهلال الأحمر.
ب- قام الإخوان بحراسة الجسور ومتابعة أحوالها عندما داهمها الفيضان الذى عم القرى بالصعيد ودمرها، فقاموا بحراسة الجسور والتبليغ عنها والعمل مع الأهالى ورجال الإدارات فى إنشاء تحصينات تقى الكثير من القرى طغيان الفيضان، وكان هذا فى كلا الوجهين القبلى والبحرى.
جـ- فى عام 1947، عندما انتشر وباء الكوليرا وبخاصة فى الوجه البحرى انتشاراً شديداً وضع الإمام الشهيد الآلاف من جوالة الإخوان وشبابها تحت أمرة المسئولين فى وزارة الصحة والجهات المعنية ليعملوا فى دفع هذا الوباء، وأبلوا بلاءً حسناً فى ذلك.
لقد كان لدقتهم فى الاتصال وسرعتهم فى التبليغ عن الحالات المصابة،ـ ومحاصرة القرى الموبوءة ومنع دخول أحد او خروجه منها، وعزل الأصحاء عن المرضى ونشر الإرشادات الصحية، والقيام بأعمال النظافة وتطهير المساكن بالمطهرات الكيماوية وغيرها، لقد كان لهذه الجهود أعظم الأثر فى نجاح المقاومة ووقف انتشار هذا الوباء.
وكان من تقدير المسئولين فى ذلك الحين أن أعلن وزير الصحة الدكتور نجيب اسكندر عن الإشادة بجهود جوالة الإخوان، كما رأت وزارة الشئون الاجتماعية أن تقدم لشباب الإخوان مكافأت مالية تقديراً لدورهم، ولكن الإمام الشهيد رفض هذه المكافأت وذلك لأن الإخوان كانوا يقومون بواجبهم الوطنى. ([21]).
- مشاكل الريف المصرى :
اهتم الإخوان بمشاكل الريف والفلاح، وكانت صحافة الإخوان هى المنبر الذى يهتم باحوالهم منذ عام 1933 فى جريدة الإخوان المسلمين، وفى مجلات النذير والدعوة فى سلسلة مقالات عن أحوال الفلاح المصرى.
كما قامت الجماعة بإنشاء قسم خاص بالفلاحين، كانت لائحته تنص على :
- تنظيم نشر الدعوة فى محيط الفلاحين ، وإيجاد جو إسلامى فى المزارع والنقابات الزراعية.
- توجيه الفلاحين إلى الاستفادة من النقابات وإلى ما يحفظ حقوقهم .
- تنظيم التعاون بين الفلاحين والقيام على حاجاتهم ومطالبهم.
- دراسة مشاكل الفلاحين وإيجاد الوسائل الصالحة لحلها، والعمل على التقريب بين الفلاحين والملاك.
- دراسة نظم الاستغلال الزراعى، ومحاولة تصحيحها وردها إلى أصل إسلامى .
- تثقيف الفلاحين ثقافة إسلامية وتوجيههم إلى ما يرفع مستواهم التعليمى والخلقى والاجتماعى والصحى.
وقد ترجم الإخوان هذه المبادئ إلى صور متعددة من الخدمات وواقع عملى تقوم به شعب الإخوان، فساهموا بجدية فى محو الأمية بالقرية، وفى تقديم الرعاية الصحية والاجتماعية، بل والثقافية والرياضية.
كما قدمت الجماعة تصوراً كاملاً لما يجب أن تكون عليه حالة الفلاح المصرى والقرية المصرية، موضحة مدى الاستفادة منهم فى تحرير البلاد سياسياً واقتصاديا([22]) .
وهذه نماذج من عناوين مقالاتها : صوت من الريف – بين مطارق الاستغلال – الإقطاع يتداعى –الفلاح .. الخ([23]).
بل إن مشروع الإصلاح الزراعى الذى تقدمت به الثورة المصرية كان فى الأصل جزءاً من مشروع الإصلاح الذى تقدمت به الجماعة، لكنهم اجتزأوا منه، وخفضوا الحد الأقصى للمساحة الزراعية، وأساءوا التطبيق.
- كما تبنى الإخوان مطالب الفلاحين فى مواجهة الظلم:
وسقط منهم شهداء فى التصدى لظلم الإقطاع وهذه نماذج مختصرة لمواقف الإخوان:
أ- فى محافظة الدقهلية، وفى قرية بدواى، وقرية كفر البرامون، تصدى الإخوان بالشعبة – يؤيدهم الأهالى – للعمدة وكبار الإقطاعيين، وتدخلت الشرطة و اشتبكت مع الأهالى، وسقط شهيدان.
ب- وفى تفتيش سخا وقف الإخوان بجانب الفلاحين المضطهدين .
جـ- بل إنه من الأسباب التى أبداها عبد الرحمن عمار مسئول البوليس السياسى كمبرر لحلّ هيئة الإخوان فى مذكرته، والتى جاء فيها عن هذا الموضوع ما نصه: ( ثانى عشر : وفى 26 أبريل 1948 حرّض الإخوان المسلمون عمال تفتيش زراعة محلة موسى التابع لوزارة الزراعة على التوقف عن العمل مطالبين بتملك أراضى هذا التفتيش، الأمر الذى سجلته تحقيقات القضية رقم 921 لسنة 1948 جنح مركز كفر الشيخ “([24]) .
د- وكذلك الشهيد “ريان” البلطجى سابقاً فى سجن الطور، وقد هداه الله على يد الأخ المرحوم اللواء صلاح شادى، وانضم بعدها للإخوان وواجه فى قريته استغلال أصحاب النفوذ ورجال الإقطاع، فما كان منهم إلا أن قتلوه وقد نعاه الإمام حسن البنا([25]) .
هـ- والشهيد ” الشيخ عنانى” وكيل شعبة الإخوان فى كفور نجم، والذى تصدى لظلم الإقطاع وقاد ثورة الفلاحين ضد تجاوزات الإقطاعيين فأطلقوا عليه الرصاص.
س- وكذلك تكرر الأمر فى حوادث قرية فضالة مركز أجا بمحافظة الدقهلية، وقرية بهوت مركز طلخا بمحافظة الدقهلية عام 1951 .
وأمثلة ذلك كثيرة ومسجلة فى صحف الإخوان وقد شنت حملة ضد هذه الاضطهادات وقيام الشرطة بضرب الأهالى لإخضاعهم للإقطاعيين .
وكان الإمام الشهيد أول مصرى يرتفع صوته بخصوص ممتلكات الأسرة المالكة فى مصر فى دروس الثلاثاء الأسبوعية – والتى كان يحتشد فيها الآلاف من الشعب المصرى – تكلم عن كم تملك الأسرة المالكة فى مصر ؟ وطالب بإعادة النظر فى نظام الملكيات فى مصر، وحصر الملكيات الكبيرة وتشجيع الملكيات الصغيرة، وأن توزع أملاك الحكومة فوراً على الفلاحين المعدمين ورأى أن مصر لا تشكو من قلة الموارد بقدر ما تشكو من سوء توزيع الثروة، وكان للإخوان رأى محدد فى الإقطاعيات الكبيرة وأن يكون تحديد الملكية بخمسمائة فدان كحد أقصى.
ومع هذه الجهود، كان الإخوان يرفضون الصراع الدموى بين الطبقات والذى تنادى به الشيوعية، بل يهدفون إلى التقريب بين الطبقات وإقرار العدل([26]).
- وقطاع العمال:
حيث أنشأ الإخوان قسماً لهم بالجماعة،وكان لهم دور فعال فى الحركة العمالية سبق بذلك الشيوعيين الذين لم يتحركوا بقوة أو يتواجدوا بفعالية فى هذا المجال إلا بعد ضرب الإخوان والتضييق عليهم وتمكين الثورة لهم فى عهد عبد الناصر من هذه المنافذ .
لقد كانت القاعدة الأساسية من أفراد الإخوان هم الشباب ومن الفلاحين والعمال وذوى الشهادات المتوسطة فى حينها، مما يدل على شعبية الحركة وقوة انتشارها ، وفى الوقت الذى خلت فيه مناهج الأحزاب من الاهتمام بالعمال وقضاياهم، فقد اهتمت الجماعة بهذا المجال مبكراً وتبنت صحفها ووسائل إعلامها مشاكل العمل وما يعانون منه وطالبت بتحسين أوضاعهم وأحوالهم وتشغيل العاطلين منهم، وحثت الرأسمالية الوطنية بافتتاح شركات لهذا الغرض ([27]) .
كان تصور الإخوان فى الارتقاء بهذا القطاع يقوم على المبادئ الآتية:
- النظرة الشمولية لجميع وحدات المجتمع.
- الاهتمام ببناء الإيمان فى النفوس وتحقيق الوعى الصحيح لديهم كأساس لتفعيلهم والتقدم بهم.
- التعاون والتكافل بين الطبقات والإحساس بحاجة كل منها للأخرى .
- تآخى وحدات المجتمع والأخذ بيد الضعيف.
- اعتبار العمل مكافئاً لرأس المال وشريكاً له وتشجيعه وحمايته وإزالة كل المعوقات من طريقه.
وترجم الإخوان هذه القيم والمبادئ إلى سياسة عملية بشأن العمال والفلاحين تمثلت فى :
- المحور الإعلامى وتبنى مشاكلهم ومطالبهم.
- تقديم حلول عملية وتصوراً كاملاً يرتقى بهذه الفئة.
- مواجهة صور الظلم التى يتعرضون لها بالوسائل المناسبة والوقوف إعلامياً وقانونياً بجانبهم.
- محور الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية من قوافل طبية – ومحو أمية .. الخ، وتحقيق التكافل الاجتماعى ومد يد العون لهم
- الضغط السياسى على الحكومة لإعطاء العمال والفلاحين حقوقهم وسن التشريعات لحمايتهم.
- السعى إلى تشكيل نقابات واتحادات عمالية، واتحادات للفلاحين كذلك .
- نشر السلوكيات الإسلامية، والوعى الإسلامى لديهم، والتوعية السياسية الوطنية، وإيقاظ الوعى فيهم بحقوقهم.
- تشجيع إنشاء الصناعات الصغيرة وتكوين شركات مساهمة يشترك فيها العمال والطبقات الكادحة بدلاً من الشركات الرأسمالية التى يحتكر فيها أصحاب الأموال الكبيرة مئات الأسهم.
ومن أمثلة هذه الشركات : “شركة الإخوان المسلمين للنسيج” حيث بلغت قيمة السهم فيها 25 قرشاً يدفعها العامل شهرياً، وبذلك امتلك الشركة مئات الآلاف من العمال وصغار الموظفين.
ومن الأمثلة الأخرى على تلك الجهود نذكر:
- طالبت الوزارة بسن تشريعات تتضمن إنصافهم وحمايتهم بضمانات اجتماعية فى الشيخوخة والعجز والضعف.
- وجهت الجماعة نقداً قوياً لقانون النقابات الذى صدر عام 1940 لكونه حرم العمال من تكوين اتحادات عمالية، وطالبوا بتكوين نقابات للفلاحين ( العمال الزراعيين).
- عقب الحرب العالمية الثانية، حاول الإخوان إقامة نقابة عمالية تستوحى مبادئها من التصور الإسلامى لقيم العمل، وحققوا نجاحاً نسبياً فى ذلك حيث أعلنوا تأسيس نقابة عمال النقل، لكنها واجهت حرباً شديدة عليها.
- كما أصبح للإخوان تواجداً وتأثيراً فعالاً على عمال البترول فى السويس ومجموعات من عمال النسيج فى المحلة وشبرا الخيمة وكفر الدوار.
- خصصت مجلة الإخوان فى سنة 1947 باباً ثابتاً للعمال ناقشت فيه العديد من قضاياهم، وطالبت الحكومة بتشجيع الصناعات الصغيرة ومدها بالمعونات لكسر احتكار الرأسماليين والحد من البطالة.
- افتتاح قسم ليلى بالشعب لتعليم العمال القراءة والكتابة ومبادئ الدين بخلاف المحاضرات الأسبوعية فى الشعب وكان هذا القسم الليلى فى أغلب الشعب، بالإضافة لمن استطاع إنشاء مدرسة للتعليم فكان للبنين مدرسة غار حراء وللبنات مدرسة أمهات المؤمنين، وقد بدأت مبكرا فى الإسماعيلية تحت اسم مدرسة التهذيب ، وفى فترة الثلاثينات والأربعينات انتشرت مدارس او فصول محو الأمية الليلية فى جميع الشعب والتى وصلت حتى أسوان ورأس غارب وفى عام 1941 أعلن مكتب الإرشاد عن مشروع “المعلم الجوال” لمحو الأمية وكانت أماكن التدريس هى المحال العامة بمختلف أنواعها ومن ذلك المساجد والمقاهى والمتنزهات والحدائق إلخ .. ([28])، وفى يوليو 1943 دشن الإخوان حملة كبيرة للتطوع للمساهمة فى مشروع محو الأمية وخصصت لهذه الحملة لجنة مركزية على مستوى القطر([29]) ، وفى يونيو عام 1944 عندما بدأ اهتمام وزارة الشئون الاجتماعية بهذا الأمر، أرسل الإخوان توجيهاتهم لجميع الشعب بالتعاون مع الوزارة ، ووضعت خبرتها بالجماعة تحت تصرفها ، وقد أفاد الإخوان أنهم قد جربوا فى مدارسهم طريقة “وست” الإنجليزية فى محو الأمية وأشادوا بما حققته هذه الطريقة من نجاح([30]) ، وفى عام 1946 عندما اهتمت وزارة المعارف التى تولاها محمد حسن العشماوى بموضوع محو الأمية طلب رسمياً من الإخوان فى خطاب أرسله إليهم أن يساعدوا الوزارة فى ذلك لما لهم من خبرة وانتشار فى هذا الميدان ثم شكر لهم هذا التعاون بعد ذلك.
- اتخذت الجماعة خطوات عملية عام 1948 لكوين شعبة عمالية تتولى تشكيل جبهة من نقابات العمال ، وذلك بمعاونة أعضاء ورؤساء النقابات المنتمين إليها لكن قرار حل الجماعة والحرب التى شنتها عليها بعد ذلك الحكومة أحبط ذلك([31]).
خاتمة:
لقد تميزت سياسة الإخوان وبرامجهم فى هذا المجال – العمال والفلاحين – بوضوح التصور وشموله ومصاحبته للجانب العملى الاجتماعى، والقدرة على التأثير والنفاذ بين أفراد هذه الشرائح.
إن مطالعة تفاصيل هذه الأعمال وتلك الخدمات يجعلنا ندرك مدى الجريمة الكبرى التى وُجهت – وما زالت تُوجه – لهذا المجتمع باضطهاد جماعة الإخوان ومنع عودتها وعودة منافذها وشعبها وممارسة كامل دورها، مما أدى إلى منع وعرقلة دورها الحيوى والمؤثر فى النهوض بهذا المجتمع وحل مشاكله.
ورغم هذا المنع والتضييق، فما زال جهد الجماعة مستمراً، فمع أى كارثة كان الإخوان هم أول من ينهض لمد يد العون كما حدث فى كوارث : الزلزال والسيول وانهيار العمارات .. الخ، بل ويدفعون ثمن ذلك العون من اعتقالات لأفرادها والقائمين بذلك.
كما كان لهم دورهم الرئيسى – وما زال – فى إطفاء كل فتنة تهدد المجتمع، وقد سجل التاريخ دورهم فى محاصرة الفتنة الطائفية بالزاوية الحمراء، واستمر كذلك دورهم الاجتماعى الذى تشهد به أحياء المدن والنجوع وقرى مصر، فى مجال البر والخدمة العامة والإصلاح بين الناس، وفى النقابات المهنية، برغم الحرب الشعواء التى تشن عليهم.
وهم أيضاً بفضل الله يشكلون السد القوى ضد الأطماع والمؤامرات الصهيونية والاستعمارية بالمنطقة.
لقد أصبح الإخوان – حقيقة- هم أمل هذا الشعب وسياج الأمان له رغم إنكار البعض لذلك ورغم التزييف والتضليل.
ومازالت المنهجية والخطوات التى رسمها وطبقها الإمام البنا مناسبة وهامة للتحرك بها فى إصلاح المجتمع المصرى ومواجهة مشاكله والذين يطالبون الإخوان بالمزيد، ينسون ما تواجهه الجماعة من تضييق ومطاردة وحصار ولا يُترك لها الا هامش بسيط، لولا صمود الإخوان وإصرارهم ومثابرتهم على مبدأهم،لانكفأوا على أنفسهم،وتركوا المجتمع ومشاكله .
وعلى هؤلاء المطالبين، أن يطالبوا ويضغطوا لفك الحصارعن الجماعة وإتاحة الحق الدستورى لها فى الحركة والإصلاح.
إن الأيادى التى تُوجه الضربات لدعاة الإسلام وتحيك المؤامرات والأكاذيب ضدهم إنما تمثل خيانة كبرى لهذا الوطن ولهذه الأمة وللإسلام قبل ذلك.