ثوابت الإسلام ومبادئه الأساسية كما وضَّحها القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق عليها علماء الأمة وسلفها؛ أمر مطالب به كل مسلم وكل جماعة تنتمي للإسلام أو تعمل له، ويشكل ذلك مرجعية ورسالة أساسية ليست محل التشكيك أو المراجعة أو التغيير والتعديل.

ثم هناك درجة أخرى تُضاف لهذا الأمر، وهو أن يكون لجماعة تعمل للإسلام ولنهضة الوطن بعض الخصائص التي تخص نفسها بها أو يكون لها ثوابت خاصة بها، تلزم أفرادها بها، وليست محل مراجعة منها أو تغيير إلا إذا كانت ستغير مسارها ودعوتها.. ومن لم يلتزم بها فإنه يكون خارجًا عنها، إذا أصرّ على موقفه بعد المراجعة.

هذا بالنسبة للثابت المستمر المرتبط برؤيتها ومبادئها الأساسية، وهو بخلاف ثوابت المرحلة؛ حيث تحدد الجماعة مدتها ومتى يتم إعادة مراجعتها مثل اللوائح أو الالتزام بآلية أو فعالية معينة في مرحلة ما.

أما الاختيار الفقهي فقد يكون في مجال تجعله الجماعة من ثوابتها مع عدم الانتقاص من الآراء الأخرى التي لم تأخذ بها مثل إلزامية الأخذ بالقرار الناتج عن الشورى، وقد أخذت الجماعة بذلك، ومثل اختيار الجماعة بحرية تشكيل الأحزاب السياسية في المجتمع، ومثل اختيارها بتحديد مدة كحد أقصى لرئيس الدولة، فهذا من ثوابت الاختيار الفقهي عند الجماعة.

أما الاختيارات الفقهية التي ترجحها الجماعة في موقف معين؛ فإن الجماعة هي التي تحدد؛ هل هذا الاختيار قابل للمراجعة أم هو من الثوابت المستمرة؟ ويكون التزام أفراد الصف بهذا الاختيار من باب الالتزام بالجماعة وعدم الخروج على خطها حتى ولو كانت قناعة الفرد الشخصية باختيار فقهي آخر.

ومثلما رأينا في قصة سيدنا طالوت عندما فصل بالجيش، ووضع له بعض الشروط، والاختبارات، وكذلك ما كان من شأن جماعة القرّاء من الصحابة الذين استشهدوا في بئر معونة وعددهم 70 صحابيًّا، وقد ألزموا أنفسهم بمنهاج عملي من الذكر ومن أعمال البر.

ويشترط في هذه الثوابت الخاصة:

1- ألا تخالف أو تصادم مبادئ الإسلام وأحكامه.

2- ألا تعتبر من تركها أو ترك بعضها وفارق جماعتها، أنه انتقص إسلامه أو أصبح عدوًّا لها أو تنتقص من قدره.

3- أن تكون دعوتها وثوابتها معروفة معلنة، ليست سرية أو غامضة، يفاجأ بها الأعضاء.

وهذه الثوابت بعضها يكون في جانب التصور والفهم والأهداف، وبعضها في المنهج والرؤية، أو في الاختيار الفقهي، أو في المواقف الأساسية، وبعضها قد يكون في الوسائل والإجراءات.

والثوابت الخاصة في دعوة الإخوان ليست فقط لا تخالف أحكام الإسلام، وإنما تحرص أن تكون مستمدة من مبادئ الإسلام وأحكامه، وداعمة لرسالتها وأهدافها العليا.

وسنشير هنا باختصار إلى أهم هذه الثوابت التي تميز جماعة الإخوان، ومن أراد الاستزادة؛ فنحيله إلى كتاب فضيلة الأستاذ جمعة أمين “الثوابت والمتغيرات”.. وتشكل رسائل الإمام الشهيد ومنهجه العملي في بناء الجماعة والتحرك بالدعوة مصدرًّا رئيسيًّا لهذا الأمر، وكذلك ما صدر عن قيادة الجماعة بعد دراسة، وأصدرته معبرًا عن رأيها وموقفها بالنسبة لتعدد الأحزاب، والمرأة، والشورى (أو الديمقراطية)، وكذلك ما ثبتت عليه عبر تاريخها ونضالها المستمر.

وهذا الأمر حقٌّ من حقوقها كأي جماعة، ملزم وثابت لجميع أفرادها، أما من هم غير ذلك من أفراد وكيانات، فمع تقديرهم واستمرار التعاون معهم، فليس يلزمهم شيء من ذلك (إلا ثوابت الإسلام العامة) وليس عليهم أن يقتنعوا بتلك الثوابت طالما هم خارج الجماعة وتنظيمها.

وكما أشرنا، فإن الثوابت تعني أنها ليست خاصة بمرحلة من المراحل، أو ظرف من الظروف، وكذلك أنها ليست محلاًّ للمراجعة والتغيير، فهي اختيار الجماعة الثابت.

أما المراجعة والتغيير والتطور فهو يشمل الأمور الأخرى خارج هذا النطاق، ويشمل الوسائل ومجالات العمل والنشاط والبرامج.

توضيح للثوابت الخاصة بالجماعة:

1- أنها جماعة من المسلمين ودعوة إسلامية شكلاً وجوهرًا، تلتزم بصبغة الإسلام، وبمنطلقات الإسلام، وثوابته وأهدافه، وترجع إليه وإلى أحكامه في كل أمورها يقول الإمام الشهيد: “لقد أعلنتم من أول يوم أن دعوتكم “إسلامية صميمة” على الإسلام تعتمد ومنه تستمد” (رسالة اجتماع رؤساء المناطق صـ247).

2- أن أصول الفهم العشرين تشكل أصولاً ثابتة في الفهم عندها فيما تعرضت له من أمور.

3- وأن الباعث لقيام الجماعة والرسالة التي تعمل لها تشكل ثابتًّا من الثوابت.

فالباعث يتمثل في: “الاعتقاد الجازم بأن رضا الله- سبحانه وتعالى- وبراءة ذمتنا يوم العرض عليه، توجب علينا العمل الجماعي لأداء تكاليف الشريعة عامة ولإعلاء كلمة الله- تبارك وتعالى- خاصة وفق الفهم الصحيح للإسلام الذي عبَّرت عنه رسالة التعاليم عمومًا وركن الفهم منها على وجه الخصوص، وينبني على هذا الباعث أن تكون كافة ممارساتنا الجماعية نابعة من المنطلق التعبدي، وأن يكون العمل الجماعي- وكذلك الجماعة- ليست غاية ولا وسيلة ولكنها فريضة، وأن الحاجة إلى الجماعة تظل قائمةً ما دام التكليف الشرعي الباعث على إنشائها لم ينتف”.

أما الرسالة التي تسعى الجماعة لتحقيقها فتتلخص في: “العمل على أن تكون كلمة الله هي العليا، بأن تسود قيم وأحكام الإسلام وشرائعه في ربوع العالم ﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ (الأنفال: من الآية 39).

وذلك بالنهوض بالأمة الإسلامية لتتبوأ مكانة أستاذية العالم، وتقوم بواجب الشهادة على العالمين ﴿لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 134)، وبالتعاون فيما بيننا على القيام بالتكاليف والواجبات الشرعية المناطة بنا”.

4- الأهداف الإسلامية التي حدَّدها الإمام الشهيد للجماعة، ووصفها بمراتب العمل، ووضحها في رسالة التعاليم هي من الثوابت التي تحدد رسالة الجماعة تفصيلاً، وهي باختصار: تكوين الفرد المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم، وتحرير الوطن واستقلاله، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وتحرير أوطان المسلمين المغتصبة وإقامة الخلافة الراشدة، وأستاذية أمة الإسلام للعالم ونشر دعوة الإسلام فيه.

5- منهج الجماعة في التغيير وتحقيق الأهداف، يقوم على تربية الجيل المؤمن وتربية الشعب التربية الإسلامية التي تشكل الأساس لإقامة الحكم الإسلامي.

يقول الإمام الشهيد: “إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها..” (رسالة المؤتمر الخامس صـ188).

6- سمات منهج الإصلاح في الجماعة، وأنه يقوم على التغيير السلمي بالاقتناع والفهم والتربية، واستخدام وسائل النضال الدستوري والكفاح السياسي.

وأنه منهج شامل متدرج، يركِّز على إصلاح الفرد وتربيته وعلى إصلاح المجتمعات وليس عن طريق الفرض أو الإكراه من أعلى.. وكذلك مع إصلاح المجتمعات إصلاح الحكم.

يقول الإمام الشهيد: “ندعو إلى الإسلام والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه”.. وأن أساس هذا الإصلاح هو المنهج الإسلامي.

7- أن منهج الجماعة في الإصلاح لا يقوم على الاحتكار أو الانفراد دون الأمة، بل إيقاظها والتعاون مع كل القوى الوطنية، والجماعة من بينهم تعمل وتتعاون وتساعد وتوجه.

8- أنها ترفض أسلوب العنف أو استخدام القوة في التغيير داخل المجتمع، أو تكفير الناس والحكم عليهم، أو استباحة دمائهم وأموالهم، وكذلك ليست الثورة- وهي أقوى مظاهر العنف- أو إشاعة الفوضى من وسائلهم في التغيير (راجع رسالة المؤتمر الخامس).

9- أن دعوتها ومبادئها وصبغتها الإسلامية علنية، لا تخفيها.

10- أنها دعوة عالمية ليست خاصة بقطر من الأقطار، أو مرحلة من المراحل؛ ولكنها مستمرة حتى تحقق كامل الأهداف العليا وتسير بها.

يقول الإمام الشهيد: “والإخوان المسلمون لا يختصون بهذه الدعوة قطرًا دون قطر من الأقطار الإسلامية..” (رسالة إلى أي شيء ندعو الناس صـ47).

11- شمول دعوة الجماعة لكل مجالات الإصلاح، شمول الفكرة الإسلامية، ولا يمكن أن تنحصر في هيئة موضعية أو شكل جزئي (مثل جمعية خيرية، أو حزب سياسي أو نادي اجتماعي… إلخ)، فهذه كلها أجزاء قد تستخدمها، لكن تبقى الدعوة أشمل وأوسع كيانًا وحركة وفكرة من كل ذلك، وأن العمل السياسي جزء من العمل الدعوي لا يمكن الفصل بينهما.

12- موقفها من المرأة، وموقفها من الأقباط، وموقفها من التعددية السياسية ومن تداول السلطة في المجتمع ومن الشورى (أو الديمقراطية) كلها مواقف أساسية ثابتة بناء على روح الإسلام، والترجيح الفقهي لديها وليس مجرد مناورة أو تكتيك مرحلي أو أمر قابل للتغيير والتبديل (راجع رسائل الإمام الشهيد.. ووثيقة الجماعة الخاصة بذلك).

13- موقف الجماعة من القضايا الأساسية: من قضية فلسطين والعمل على استردادها، ومن المشروع الغربي- الأمريكي- الصهيوني ومواجهته، ثابت من الثوابت التي تعمل عليها وتضحي في سبيلها.. ولن تفرط الجماعة في شبر من أرض فلسطين.. ولن تلتقي أبدًا في منتصف الطريق مع المشروع الأمريكي الصهيوني.

14- كما أنه من الثوابت، سمو الدعوة وآداب وأخلاق الداعية المستمدة من منهج الإسلام، وأن يشكل ذلك المرجعية التي تجتهد الجماعة في الالتزام بها، وتقيم عملها الدعوي على أساسه.

15- تشكل أركان البيعة التي حدَّدها الإمام الشهيد، ووضَّح معانيها في رسالة التعاليم ثابتًا من الثوابت (وهي باختصار: الفهم- الإخلاص- العمل- الجهاد- التضحية- الطاعة- الثبات- التجرد- الأخوة- الثقة).

16- أن التنظيم بما يعني وجود القيادة والصف، والارتباط القوي القائم على الحب والأخوة، ومبدأ السمع والطاعة بضوابطه الإسلامية؛ ثابت من الثوابت.

17- أن الشورى والمؤسسية داخل الجماعة من ثوابت التنظيم، ويترك للجماعة اختيار وتطوير الشكل المناسب واللوائح المنظمة حسب الواقع والظروف المتغيرة.

18- أن منهجها في الدعوة، يقوم على “التعريف” والتكوين (التربية)، والتنفيذ العملي كما وضَّحه الإمام الشهيد.

فهي تعمل على نشر دعوة الإسلام، وتكوين الأفراد وتربيتهم، وعلى الحركة بالدعوة في كل المجالات المتاحة، ولا تقتصر على الجانب الفكري دون الجانب التربوي والحركي (فهي جماعة دعوية- تربوية- جهادية).

19- تشكل الأسرة التربوية والكتيبة الروحية ثابتًا من الثوابت في منهجها التربوي، ويترك للقيادة اختيار أفضل الأشكال والبرامج والوسائل لتنفيذ ذلك وفق الظروف المتاحة لتحقيق الهدف منها.

20- أن اسم “الإخوان المسلمين” ببعده التاريخي ومعناه الشرعي، أصبح من الثوابت التي لا تغيير فيها للجماعة في القطر المصري أساسًا، وليس مطروحًا أن تغير هذا الاسم أو تتخلى عنه، وهذا بخلاف الأقطار الأخرى التي قد تواجه ظروفًا تجعلها تتخذ اسمًا آخر؛ لكن يبقى الالتزام بمبادئ الجماعة ومنهجها وثوابتها وقيادتها أمرًا أساسيًّا مستمرًا معها.

وكذلك بالنسبة لشعار الجماعة وهتافها الدائم: “الله غايتنا.. والقرآن دستورنا.. والرسول زعيمنا.. إلخ” هو من الثوابت لفظًا ومضمونًا، وأيضًا شعار “الإسلام هو الحل”، فهو من ناحية المضمون والصبغة ثابت من ثوابت الجماعة والدعوة منذ يومها الأول، ثم في مرحلة أصبح الشعار بألفاظه تلك من الثوابت في شعارات الجماعة مستمر معها، وليس مطروحًا للمراجعة، ويترك لاجتهاد الجماعة في كيفية إبرازه واستخدامه.

كما نفرِّق هنا بين مضمون الثوابت ومعناها، وبين الإجراءات والبرامج والخطط التي تعبر أو تترجم هذا الثابت إلى واقع، فهذه الإجراءات تقبل المراجعة والتعديل مستهدفة التطبيق الأمثل لهذه الثوابت في مواجهة الواقع والظروف المتغيرة.

والتعبير عن هذه الثوابت أو بعضها قد يكون بألفاظ أخرى؛ لكن يبقى نفس المضمون والمعنى الواحد، وقد يكون بتفصيل وتوضيح أكثر أو بإعادة التقسيم للنقاط أو بإيجاز ودمج لها، فكل هذا وارد ومقبول ما دام يعبِّر عن المعنى المطلوب ولا يخلّ بالمضمون الأساسي، ولا يعتبر تغييرًا واختلافًا.

وبعد، فهذه إطلالة مختصرة سريعة على موضوع الثوابت، نسأل الله عز وجل أن يلهمنا الحق والصواب، وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.