وضح الإمام البنا نقطة هامة فى هذا الشأن تسدُ باب الشيطان فى إحداث الحزن والندم والتلاوم ، فأوضح أن الله لا يحاسبنا على نتائج الأعمال ، وإنما على سلامة القصد وصحة الخطوات ، فإن أصبنا فلنا أجر الفائزين ، وإن أخطأنا فلنا أجر المجتهدين .
وصحة القرار تكون بهذه الأسس ، بصرف النظر أن غيرها كان هو الأفضل أو نتج عن القرار بعض الضرر والمشقة :
- سلامة القصد والنوايا والتجرد من الهوى .
- عدم حجب المعلومات المتعلقة بالقرار .
- اتخاذ الشورى منهج أساسى ولازم فى اتخاذ القرار .
وبعد اتخاذ القرار وفق الشورى يصبح هو قرار الجماعة وقرار كل فرد فيها سواء من كان مؤيداً أم معارضاً ، ولا يجوز بعد أن تظهر النتائج أن يقول أحد لقد كان لى رأى غير هذا ، أو ياليتهم أخذوا برأىِ . ولنا فى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة فى تعلم هذا الضابط الهام ، فأمامنا نموذج الصحابة الذين استشهدوا فى بئر معونة ، رغم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان متخوفاً من إرسالهم لكن الصحابة كانوا متحمسين لذلك .
وأيضاً قرار الخروج من المدينة فى غزوة أحد ، وكذلك قبول الفداء لأسرى بدر .
ومع متغيرات الواقع ومستجداته تأتى المراجعة والتطوير والتعديل للقرارات ، ولكن بنفس الضوابط والآلية باستخدام الشورى من الجهة ذات الصلاحية فى اتخاذ القرار .
ولا يجوز شرعاً أن يقول أحد أن قرار الجماعة الذى قد صدر بالشورى واستكمل أركان الصحة فى إجراءاته ، أنه قرار غير سليم ، وإنما يجوز أن يكون خطأ أو صواباً ، والأصل فيه أنه صواب يحتمل الخطأ ، وعندما قال المنافقون فى المدينة مثل هذا عقب غزوة أحد فقالوا : لو سمعوا رأينا فلم يخرجوا ما قتلوا ، فرد عليهم القرآن وكشف باطل موقفهم .
ولا يصح فى مجال الدعوة وضوابطها لأى فرد أن يتهم القيادة بمخالفة الصواب لمجرد أن رأيه مختلف معها ، يقول الإمام البنا فى رسالة التعاليم : ” هل هو مستعد لأن يفترض فى نفسه الخطأ وفى القيادة الصواب إذا تعارض ما أُمِر به مع ما تَعَلَّم فى المسائل الاجتهادية التى لم يرد فيها نص شرعى ؟ ” ، والنصيحة وتوصيلها بالأدب والضوابط الشرعية شىء واتهام القيادة ولمزها شىء آخر ، ومنهجية المراجعة فى أى موضوع واردة لكن تقوم به القيادة بعد أن تستمع إلى الأفراد وتحدد توقيت ذلك .
إن الأمور كلها صغيرها وكبيرها خاضعة لقدر الله ومشيئته ، والجهد البشرى قاصر وضعيف لكن عليه أن يبذل جهده خالصاً لوجه الله ، ويأتى قدر الله فوق ذلك وفيه الخير للدعوة والإسلام حتى ولو لم ندرك ذلك ، وبالتالى يكون المسلم مشغولاً كما قال الإمام ابن تيمية ” بدفع أقدار الحق بالحق للحق ” متوكلاً ومفوضاً نتائج الأعمال لله عز وجل .
” وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ، فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ” . ( إبراهيم 46 : 47 )