لم تكن غزوة بدر الكبرى مجرد مواجهة بين معسكر الإيمان ومعسكر الشرك بتدبير بشري محض، وإنما كانت تدبيرا إلهيا أراد الله به أن يمحص النفوس ويميز الصفوف وينصر الحق ويزهق الباطل، ولذلك فهي تبعث أمل النصر والتمكين في نفوس تتألم لما نزل بالمسلمين اليوم من ظلم وهوان.
في غزوة بدر تجلت قوانين النصر الربانية، وانجلت شروطه، ومنها: إخلاص النية، والاستقامة، ودوام الذكر، وتصافي القلوب ومحاربة الشحناء وإصلاح ذات البين.
في غزوة بدر ظهرت قيمة إعداد “الممكن” من الصف المؤمن، وبوار عدة الباطل مهما علا وتجبر.
ومع الإعداد المادي كان الدعاء والتضرع سلاحا ماضيا “إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم”، وكانت الاستجابة لله والرسول، والطاعة في المنشط والمكره من أسرار النصر “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.”، وكان التوكل على الله والتجرد من كل حول وقوة إلا حوله وقوته سببا من أسباب حسم المعركة.
كما كان الأمر الرباني للقيادة العامة بالتعبئة والتحريض سببا لرفع المعنويات: “يا أيها النبيء حرض المؤمنين على القتال”.
أما الشورى فكانت معلما من معالم الإعداد لبدر، وكانت حاضرة عند اتخاذ القرار بالمواجهة بعد انفلات القافلة، كما كانت حاضرة عند اختيار مكان المواجهة.
ودون الثبات وعدم التولي يوم الزحف لم تكن لكل تلك الأسباب نتيجة مؤكدة ونصر مبين “يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار”.
هذه الشروط والأسباب والقوانين حسمت المعركة لصالح الجماعة المؤمنة ضد معسكر الشرك والكفر، وما أحوجنا في هذه الأيام أن نستلهمها ونعمل بها، وقد تكالبت قوى الباطل على المسلمين في كل بقاع الأرض.
إن معسكر الباطل بكل مكوناته الداخلية والخارجية يعمل على محو الإسلام من الوجود، وهذا واضح للعيان في حروب مستعرة هنا وهناك وأعمال قتل بالوكالة ومصادرة للحريات والممتلكات داخل البلاد الإسلامية، ولا شك أن نصر الله لعباده المؤمنين لن يتنزل إلا باستيفاء شروطها كما حدث في بدر.
“يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم”، ويقول سبحانه: “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا”.
فاللهم إنا نسألك نصرا للحق على الباطل كنصر بدر.